×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

الحديث الثالث والثلاثون

عَنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ». حديثٌ حسنٌ، رواهُ البَيْهقي وغيرُه هكذا، وبَعضُه في الصَّحيحَيْنِ([1])  

 

هذا الحديثُ حديثٌ عظيمٌ، وهو قاعدةٌ عظيمةٌ من قواعِدِ القَضاءِ، حيثُ قالَ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ» أي: بما يَدَّعُون، والمُدّعي: هو الَّذي يَطلُبُ شيئًا بيَدِ غَيرِه، فالقاضي إذا أتاهُ الخَصْمانِ فإنَّه يَسأَلُهما: أيُّكُما المُدَّعِي؟ ثمَّ يَبدأُ به؛ لأنَّ الخَصمَيْنِ مُدَّعٍ ومُدَّعَى عليه، فيَبدأُ بالمُدَّعي؛ لأنَّه يَدَّعي خِلافَ الأصْلِ، وأمَّا المُدَّعَى عليه فهو بَاقٍ على الأصْلِ والبَراءةِ، فيقولُ: أيُّكما المُدَّعي؟ أو يَسكُتُ حتَّى يَبدأَ المُدَّعي، ولا يقولُ: يا فلانُ ماذا عِندكَ؟ هذا يَخْشَى أن يكونَ تَحيُّزًا، ثمَّ إذا تكلَّمَ المُدَّعي يَتوجَّهُ إلى المُدَّعى عليه ويَطلُبُ منه الجوابَ عَن دَعْوى خصْمِه، هذه أصولُ القَضاءِ.

فإذا اعترَفَ المُدَّعَى عليه انتَهتِ القَضيَّةُ وحُكمَ عليه، وإذا أنكَرَ طُلبَ من المُدِّعِي البَيَّنةُ، والبَيِّنةُ: ما يُبَيِّنُ الحقَّ ويُوضِّحُه، وهي شَهادةُ الشُّهودِ بصِحَّةِ ما يَدَّعيه، فإذا جاءَ بالبَيِّنَةِ العادلةِ حُكِمَ على المُدَّعى عليه بمُوجبِ الشَّهادةِ، وإذا لم يأتِ ببَيِّنَةٍ طُلِبَ من المُدَّعى عليه أن يَحلِفَ


الشرح

([1])  أخرجه: البيهقي في الكبرى رقم (21201)، وأصله في البخاري رقم (2514)، ومسلم رقم (1711).