×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

الحديث الخامس والثلاثون

عَنْ أَبِي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا؛ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، وَلاَ يَكْذِبُهُ,التَّقْوَى هَاهُنَا - يُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». رواهُ مسلمٌ([1]).

 

هذا حديثٌ جامعٌ للأخْلاقِ الَّتي تكونُ بينَ المُسلمينَ، فإنَّ الإسلامَ جاءَ بالحَثِّ على التَّآخِي في اللهِ عز وجل، وأن يكونَ المُسلمونَ كالجَسدِ الواحدِ، وكالبُنيانِ يَشدُّ بَعضُه بَعضًا؛ ولذلكَ نَهى عن كُلِّ ما يُكدِّرُ هذا المَقصودَ، وما يُزيلُه أو يَنقُصه منَ الأخلاقِ السَّيِّئةِ.

وفي هذا الحديثِ يقولُ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَحَاسَدُوا»؛ لأنَّ الحَسدَ هو أكْبرُ ما يُفرِّقُ بينَ المسلمينَ، فهوَ أخطَرُ الآفاتِ الاجتماعيَّةِ، والحَسدُ مَعناهُ: تَمنِّي زَوالَ النِّعمةِ عنِ المَحسودِ، سواءٌ أرادَها أنْ تكونَ له أو أنْ تزولَ ولا تكونُ لأحَدٍ، والحَسدُ، كما في الحديثِ: «إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ؛ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، أَوْ الْعُشْبَ»([2])، والحَسدُ قد يَحمِلُ على الكُفرِ كما حَمَلَ إبليسَ على الكُفرِ


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2564).

([2])أخرجه: أبو داود رقم (4903)، وابن ماجه رقم (4210)، والبيهقي في «الشعب» رقم (6184).