وكان مُعاويةُ رضي الله عنه مع
أهلِ الشَّام في حَرْبٍ مع عليٍّ ومَن كَان معَه، قامَتْ حربٌ بينَ طَائِفتين
عَظِيمتين من المُسْلمين، طَائفةٍ يتزَعَّمُها عليٌّ رضي الله عنه، وطائفةٍ
يتزعَّمُها معاويةُ رضي الله عنه، بسببِ مقتلِ عُثمانَ رضي الله عنه، فقد فتَحَ مقتلُ
عثمانَ رضي الله عنه على المُسلمين بابًا لا يَزالُ إلى الآن والمسلمون يُعانُون
منه، وهو بابُ الفِتنةِ والعياذُ بالله، فلمَّا رأى الحَسَنُ رضي الله عنه أنَّ
الأمرَ على هذا الشَّكْل، وأنَّ الحربَ قائمةٌ بينَ المسلمين، تنازَلَ عن
الخِلافةِ لمُعاوية رضي الله عنه؛ لأجْلِ حَقْن الدِّماء، وسُمِّي هذا العامُ عامُ
الجَمَاعة؛ لأنَّ المُسلمين اجتَمَعوا فيه، وهذا بفَضْلِ الله، ثمَّ بِفَضْل
الحَسَن رضي الله عنه، فتَحقَّقَتْ فيه بِشارةُ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم.
قال: «حفِظْتُ من
رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ»،
«دَعْ» يعني: اترُك، «مَا يُرِيبُكَ» يعني: ما تشكُّ فيه، من
الرَّيبِ وهو الشَّكُّ، «إِلَى مَا لاَ يُريبُك» إلى الشَّيءِ الَّذي لا
شكَّ فيه، فإذا كَان عندَك أمران أحدُهما مَشكوكٌ فيه، والثَّاني ليس فيه شكٌّ،
تأخذُ الذي ليس فيه شَكٌّ، وهذا مثل قولِه صلى الله عليه وسلم فيما سبق: «فَمَنْ
اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ»([1]).
فقوله: «دَعْ مَا يُرِيبُكَ» أي: اترُك ما تَشكُّ فيه «إِلَى مَا لاَ يُرِيبُكَ» إلى الشَّيءِ الذي ليس فيه شكٌّ؛ لأجْلِ أنْ ترتاحَ نفسُك وتبعُد عن الرَّيب، فإنَّك إذا أخذْتَ بالمشكُوكِ فيه لا تزالُ نفسُك في قلقٍ وفي حِيرة، وإذا أخذْتَ بغيرِ المشكوكِ فيه اطمأنَّت نفسُك، وارْتاحَ ضميرُك.
([1]) سبق تخريجه.