وقوْلُه صلى الله
عليه وسلم: «قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ» الإيمانُ -كما هو معلومٌ وتكرَّرَ بيانُه-
أنَّه قَوْلٌ باللِّسانِ، واعتِقادٌ بالقَلبِ، وعَملٌ بالجَوارحِ، وهذا الحديثُ يُبيِّنُ
هذا، «قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ» هذا قَولٌ، فيقولُ الإنسانُ: آمنتُ باللهِ،
ويكونُ مُستقيمًا على ذلك في قَلْبِه، ويَقينِه، ومُستَقيمًا عليه في أعمالِه؛
لأنَّ الاستِقامةَ تَعني استقامةَ القَلبِ، واستِقامةَ الأعمالِ، فجَمعَ له
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الخَيرَ كلَّه في هاتَيْنِ الكلمتَيْنِ «قُلْ
آمَنْتُ بِاللهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ»، فلا يَكفي أنَّ الإنسانَ يُؤمِنُ
بقَلْبِه، ولا يقول بلِسانِه، ولا يَكْفي أنْ يقولَ بلِسانِه، ولا يَستقيمَ في
قَلبِه، وأعمالِه، بل لابدَّ منَ الأمورِ الثَّلاثةِ:
النُّطقُ باللِّسانِ.
والاعتقادُ بالقلبِ.
والعملُ بالجوارحِ.
والاستقامةُ معناها
أنْ يكونَ الإنسانُ مُعْتدِلاً مُستقيمًا بينَ الغُلُوِّ وبينَ التَّساهُلِ، فلا
يكونُ غالِيًا وزائدًا وطائِشًا، ولا يكونُ مُتساهِلاً مُنحلًّا، بل يكونُ
مُعتدِلاً؛ ولهذا قالَ اللهُ جل وعلا لرسولِه صلى الله عليه وسلم: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ [هود: 112]، فالاستقامَةُ تكونُ بحسَبِ الأوامرِ لا يزيد
عليها، ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾ أي: كما شرَّعنا لك، ثمَّ أكَّدَ ذلك فقالَ: ﴿وَلاَ تَطْغَوْا﴾ أي لا تَزيدوا وتَغلُوا في الاستِقامَةِ؛ لأنَّ
الخُروجَ عنِ الاستقامةِ يكونُ بأحدِ أَمريْنِ: إمَّا بالزِّيادةِ عليها، وإمَّا
بالنَّقصِ منها، فالزِّيادةُ يَجبُ على الإنسانِ تَرْكُها، أمَّا النَّقصُ
فالإنسانُ عُرضةٌ للنَّقصِ، وما منَّا أحَدٌ يَسلَمُ من النَّقصِ، لكنَّ اللهَ
تَعالى جَعلَ له الاستغفارَ، فقال تعالى: