×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 الفُضولِ الَّتي لا تَحتاجُ إليها منَ الدُّنْيا، فالمُسلمُ يُجْمِلُ في طَلَبِه، لا يَحرِصُ حِرْصًا شَديدًا على الدُّنيا وعنده ما يُغْنِيه، فهذه قاعدَةٌ: «ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّكَ اللَّهُ» إذا زَهِدتَّ في الدُّنْيا أحبَّكَ اللهُ، فهذا فيه مَدحُ الزُّهدِ فيما لا يَحتاجُ إليه الإنسانُ.

وفيه دليلٌ على أنَّ اللهَ يُحِبُّ عبادَه المُؤمنينَ، ففِيه وَصْفُ اللهِ بالمَحبَّةِ، كما أنَّه يبغضُ ويَكْرَه، ومَحبَّةُ اللهِ تَعالى ليسَتْ مِثْلَ مَحبَّةِ المَخلوقِ، وبُغضُه وكَراهِيَّتُه ليست كبُغْضِ وكراهِيةِ المَخلوقِ، بل هذا خاصٌّ به سبحانه وتعالى كسائِرِ صِفاتِه.

وفيه أنَّ أُمورَ الدِّينِ يُسألُ عنها أهْلُ العِلمِ، فهذا الرَّجلُ سأَلَ عنها النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولم يَبتَكِرْ شيئًا من عِندِه؛ لأنَّ مَن أحْدَثَ شيئًا في الدِّينِ من عندِه صارَ مُبتِدعًا، وكَوْنُك تَتقرَّبُ إلى اللهِ بشَيءٍ لم يأتِ به الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم تَظنُّ أنَّه حسنٌ، هذا بِدعةٌ وقَبيحٌ ومَردودٌ، فأُمورُ الدِّينِ إنَّما يُسألُ فيها الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم، ومن بَعدِه منَ العُلماءِ الَّذينَ هُم ورثَةُ الأنبياءِ، ولا تُقدِمُ على شَيءٍ تَتقرَّبُ به إلى اللهِ، وأنت لا تدري هل هوَ منَ الدِّينِ، أو لا؟

قولُه: «وَازْهَدْ فيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ» لا تتطَّلعُ إلى ما في أَيدي النَّاسِ؛ لأنَّك إذا تَطلَّعْتَ إلى ما في أَيديهم وسأَلْتَهم أَبْغَضُوك؛ لأنَّهم لا يُحبُّون ولا يُريدُون بَذْلَ ما بأَيدِيهم، فلا تُحرِجُهم، فإذا كُنتَ تُريدُ مَحبَّتَهم فلا تَسأَلُهم، استعنْ باللهِ عز وجل مهما أمْكَنَك ذلك، أمَّا إذا احتَجْتَ إلى السُّؤالِ فإنَّه يُباحُ عندَ الحاجَةِ. أو عندَ الضَّرورةِ، ولكنْ مَهْما أمْكَن أنْ تَستَغْني عنِ النَّاسِ فإنَّك عندَما تَثقُلُ عليهم سيُبْغِضُونَكَ؛


الشرح