فإن كان مشوبًا
بنوع من التوكل، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزًا، ولا عجزه توكلا، بل يجعل
توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها كلها.
ومن هاهنا غلِطَ
طائفتان:
إحداهما: زعمت أن
التوكل وحده سبب مستقل، فعطلت الأسباب التي اقتضتها حكمة الله.
الثانية: قامت
بالأسباب، وأعرضت عن التوكل.
*****
لا يترك الأسباب،
ويقول: إنه متوكل على الله عز وجل. هذا عجز، فإذا ترك الأسباب، فهذا عجز، وليس
توكلاً.
ولهذا لما خرج جماعة
مع الحُجَّاج، وليس معهم زاد، ويقولون: «نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا
قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ
خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ﴾ [البقرة: 197] » ([1])؛ تزودوا للدنيا
بالطعام والشراب والاستعداد للسفر، وتزودوا للآخرة بالتقوى، لا بد من التزود؛ لأن
التزود من الأخذ بالأسباب.
ولما رأى عمر رضي الله عنه قومًا تاركين الكسب وجالسين في المسجد، سألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فضربهم وقال لهم: «أنتم المتواكلون».
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1523).