وأشقاهم من باع
الألم المنقطع اليسير بالألم المستمر العظيم.
فإن قيل: كيف
يختار العاقلُ هذا؟! قيل: الحاملُ له على هذا النقد والنسيئة. والنفس مُوكلةٌ
بالعاجل، ﴿ كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ ٢٠ وَتَذَرُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ﴾ [القيامة:
20- 21].
*****
كيف يختار العاقل
الألم المستمر بالألم المنقطع؟! كيف يختار هذا؟! هل هناك عاقل يرضى بهذا؟!! هذا
السؤال، وانتبهوا للجواب.
قوله: «النقد
والنسيئة»؛ أي: اللذة العاجلة، فهو يريد اللذة العاجلة، وأما العذاب المؤجل، فيقول:
هذا هين فيما بعد، نريد اللذة العاجلة، وأما الذي في الآخرة من الجنة، لن أنتظر،
سآخذ اللذة العاجلة الآن. فيبيع الآجل - وهو الجنة - بالعاجل - وهو اللذة في
الدنيا-، فهذا أخسر الناس -والعياذ بالله-، والعكس أربح الناس، الذي اشترى الآجل
بالعاجل، هذا هو أعقل الناس، ينظر إلى العواقب، ولا ينظر إلى الحاضر.
النفس البشرية،
طبيعة النفس وطبيعة الناس أنهم يريدون العاجل، ولا ينتظرون الآجل، يقول الشاعر ([1]):
إني لأرجو منك خيرًا
عاجلاً والنفس مولعة بحب العاجل
فهذه هي طبيعة النفس
إن لم يكن عندها إيمان.
﴿كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ﴾، وهي الدنيا، ﴿وَتَذَرُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ﴾؛ تتركون الآخرة. هذه هي طبيعة الناس إلا من هدى الله.
([1]) انظر: الأمثال لابن سلام (1/ 240)، والبيان والتبيين (3/ 174)، والعقد الفريد (1/ 339)، ومجمع الأمثال (2/ 333).