فاشتد تكذيبهم له،
وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس،
*****
وزادهم هذا إيمانًا؛
لأن الذي يؤمن بالله ورسوله لا يستغرب الأشياء التي يستبعدها عقله، ولا يتخذ عقله
مقياسًا وميزانًا، بل يفوض الأمر إلى الله ورسوله، والله على كل شيء قدير، فيصدق
الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يكون عنده في ذلك شك، هذا هو المؤمن صادق الإيمان،
وأما المنافق وأما ضعيف الإيمان، فإنه يهتز عند هذه الأمور.
هم يكذبونه من قبل،
ولكن اشتد تكذيبهم له، واتخذوا من هذا زيادة تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم.
أرادوا أن يتحدوه
صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم يعرفون بيت المقدس، فطلبوا منه أن يصف لهم بيت المقدس؛
من باب التحدي والتكذيب، فرفع الله بيت القدس حتى رآه الرسول صلى الله عليه وسلم
وهو في مكانه، فصار يخبرهم عنه، ويذكر لهم تفاصيله، فطابق ما يعرفون تمامًا.
وأخبرهم صلى الله
عليه وسلم عن عِيرِهِمْ المقبلة من الشام، وأنها في موطن كذا، وأنها ستقدم في
اليوم الفلاني، وأنها يتقدمها بعير صفته كذا وكذا، فما زادهم هذا إلا عتوًا
ونفورًا؛ لأن الذي لا يريد الحق مهما أقمت عنده من الأدلة لا يقتنع أبدًا؛ لأنه لا
يريد الحق، إنما ينتفع بالآيات الذي يريد الحق، وأما الذي لا يريده، فهذا لا يمكن
أن تقنعه أبدًا.
وكثير من المثقفين
اليوم يقول: أنا لم أقتنع بعد، لا بد أن أقتنع. لا يقول: أنا آمنت. ويسلم للآيات
والأحاديث الصحيحة، بل يقول: إنه لم يقتنع. يتخذ من قناعته حجة يصير إليها، ولا
يتخذ من النصوص حجة.