ثم إنهما ماتا؛ مات
أبو طالب، وماتت خديجة، ليس بينهما إلا زمن يسير، فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم
لموتهما وفقدهما، ولم يبق من يؤازره ويحميه.
وكما سبق فإنه صلى
الله عليه وسلم خرج من مكة، وذهب إلى الطائف يدعوهم إلى الله، ويطلب منهم الحماية
والنصرة؛ لأن أهل مكة ضايقوه، وضيقوا عليه، فلم يجد عند أهل الطائف إلا شرًا مما
وجد من أهل مكة.
ثم رجع صلى الله
عليه وسلم من الطائف، يريد دخول مكة، ولم يدخلها إلا بجوار المطعم بن عدي، وهو من
أكابر قريش، حينئذ أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة، ولكن قبل أن
يأذن لهم بالهجرة قيض الله له وفدًا من الأنصار؛ من الأوس والخزرج، وافوا موسم
الحج، فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فهداهم الله، وقبلوا دعوته، وبايعوه
بيعة العقبة الأولى، وهم نفرٌ يسير.
ثم ذهبوا إلى
المدينة، فدعوا قومهم إلى الإسلام، فأسلم الكثير من أهل المدينة، وفي السنة التي
بعدها جاء عدد كثير من الأوس والخزرج إلى الحج، واجتمع بهم رسول صلى الله عليه
وسلم عند جمرة العقبة، وبايعوه على الإسلام وعلى النصرة، وعلى أن يهاجر إليهم،
وتمت بذلك البيعة الثانية.
بعد ذلك أذن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة، فكانوا يهاجرون أفرادًا مستخفين من قريش، يتسللون، وبقي هو صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعلي رضي الله عنهما في مكة.