وأمر صلى الله
عليه وسلم أن يقيم الحدود فيهم على الشريف والوضيع.
*****
فيهجر العاصي، إذا
كان في هجره استصلاح له وزجر له، فيهجر؛ كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة
الذين خُلفوا عن غزوة تبوك، ولم يخرجوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
الرسول صلى الله
عليه وسلم جاء من تبوك، وجاء إليه المنافقون يعتذرون له عن تخلفهم، ويحلفون له،
فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عذرهم.
ولما جاء إليه هؤلاء
الثلاثة، سلموا عليه، وأجل صلى الله عليه وسلم أمرهم إلى أن ينزل فيهم الوحي، ونهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن الكلام إليهم، وأمرهم بالتنحي، ثم أمر
زوجاتهم بتركهم وعدم خدمتهم، حتى مضى على ذلك خمسون ليلة، ثم تاب الله عليهم.
قال تعالى: ﴿وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ
ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتۡ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَرۡضُ بِمَا رَحُبَتۡ
وَضَاقَتۡ عَلَيۡهِمۡ أَنفُسُهُمۡ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلۡجَأَ مِنَ ٱللَّهِ
إِلَّآ إِلَيۡهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيۡهِمۡ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ
ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ١١٨ يَٰٓأَيُّهَا
ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ ١١٩ مَا كَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ
أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِهِمۡ عَن
نَّفۡسِهِۦۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٞ وَلَا نَصَبٞ وَلَا
مَخۡمَصَةٞ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَُٔونَ مَوۡطِئٗا يَغِيظُ ٱلۡكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوّٖ نَّيۡلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٞ صَٰلِحٌۚ إِنَّ ٱللَّهَ
لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [التوبة: 118- 120]، هذه قصة الثلاثة.
هذا في المؤمنين؛ يلاطفهم، ويكرمهم، ولكن إذا حصل من أحد منهم ما يقتضي إقامة الحد عليه - كحد الزنا، وحد شرب المسكر، وحد السرقة، وحد القذف-، فإنه يقام عليه الحد، ولا مداراة في هذا، تقام الحدود على الشريف وعلى الوضيع، تقام الحدود على الجميع - وإن كانوا مؤمنين-، فإقامة الحد عليه من صالحه؛ ففيه تطهير له، وهذا يسبب له الندم والتوبة والاعتراف بذنبه.