ثانيًا: الرَّمَل:
كذلك من سُنَنِ
الطَّوَافِ الأول للحاجِّ؛ طوافُ القُدُومِ أو طوافِ العُمْرَةِ: أَنَّهُ يَرْمُلُ
فِي الأشواط الثلاثة الأول، والرَّمَل: هو الإسراع فِي المشي مع تقارب
الخُطَا إِذَا تيسر له ذلك، أما إِذَا كَانَ ضعيفًا أو مريضًا أو كبير السن، أو
امرأة، فلا يُشرَع له الرَّمَلُ، إنما هذا فِي حقِّ القوي الَّذِي يجد فرصةً، وأما
إِذَا كَانَ المكان مزدحمًا، وصار يضر الناس بمدافعته، فلا يرمُل، بل يمشي عَلَى
هَيْنَتِهِ، رفقًا بالناس ورفقًا بنفسه.
وأصل الرَّمَل: أن النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه لما جاؤوا للعُمْرَةِ؛ عُمْرَةِ القضاء أو القضيَّة التي بعد
صلح الحُديبية؛ كَانَ قد تفاوض مع المشركين عام الحُديبية عَلَى أن يرجع إلى
المدينة، وأن يأتي من العام القادم هو وأصحابُه ويُؤَدُّوا العُمْرَةَ، تقاضَوْا
عَلَى هذا، وهذا من ضمن الصلح الَّذِي تَمَّ بَيْنَهُ وبَيْنَ المشركين.
فلمَّا جاؤوا
لعُمْرَةِ القضية، قَالَ المشركون: سَيَقْدم عليكم قومٌ وهَنَتْهم حُمَّى يثرب؛
أي: حُمَّى المدينة؛ لأن المدينة كَانَ فيها حُمَّى فِي ذاك الوقت، فهم يريدون
تنقُّص المسلمين، وإظهار الفرح بضعفهم، فأخْبَرَ اللهُ نَبِيَّه بما قَالَ
المشركون، وتجَمَّع المشركون فِي دار الندوة من الجهة الشمالية للبيت لينظروا إلى
الرسول وأصحابه وهم يَطُوفون.
فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أصحابَهُ بالرَّمَل إظهارًا للقوة؛ ليغيظ المشركين، فكانوا يرملون إلى أن يصلوا إلى الركن اليماني، ثم يمشون مَا بين الركن إلى الحجر؛ لأن المشركين كانوا فِي الجهة الثانية، ولا يرون الرسول وأصحابه، وكان يأمرهم بالمشي؛ إبقاءً عليهم، ورفقًا بهم، فإذا تبيَّنوا للمشركين، رملوا؛ إغاظة لهم، فلما رأوهم يرملون، قالوا: هؤلاء