المسجدَ الحرامَ وما حَوْلَهُ، بل طهَّرَ
الجزيرةَ وغالِبَ العالمِ من الأصنام والشِّرْك بالله عز وجل، ولَمَّا كَانَ عَلَى
الصفا والمروة صَنَمَانِ، وكان المشركون يَقْصُدُونَ بالسعي بين الصفا والمروة
التقرُّبَ إلى هذين الصنمين، تحرَّجَ المسلمون أن يسعوا بين الصفا والمروة؛ لأن
فِي هذا تَشَبُّهًا بأهل الجاهلية، فأنزل الله هَذِهِ الآْيَة: ﴿۞إِنَّ ٱلصَّفَا
وَٱلۡمَرۡوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِۖ فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ أَوِ ٱعۡتَمَرَ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاۚ﴾ [البقرة: 158]، ولا
يَضُرُّهما - أي الصفا والمروة - كَوْنُ أهلِ الجاهليةِ وضعوا عليهما صَنَمَيْنِ؛
لأنهما من شعائر الله، وقد زال الصنمان والحمد لله، والسعي بين الصفا والمروة
يُسمَّى طوافًا.
وفي قوله تَعَالَى: ﴿فَمَنۡ حَجَّ ٱلۡبَيۡتَ
أَوِ ٱعۡتَمَرَ﴾ [البقرة: 158] دليلٌ عَلَى أن السعي لا يُشرَع إلاَّ لِحَجٍّ أو عُمْرَةَ،
ولا يُتطوَّع به كَمَا يُتطوَّع بالطَّوَاف بالكعبة، فيطوف بِالْبَيْتِ
تَطَوُّعًا، ولو كَانَ الإنسان غير حاجٍّ وغير مُعْتَمِرٍ، فإنه يُستحَبُّ له أن
يَطُوفَ بِالْبَيْتِ تَطَوُّعًا؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَطَهِّرۡ بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ
ٱلسُّجُودِ﴾ [الحج: 26]، أما السَّعْيُ، فلا يُتطوَّع به، وإنما
يؤدَّى نُسُكًا لِحَجٍّ، أو لِعُمْرَةٍ.
وَفِي الآْيَة المنع من مزاولة الشِّرْك فِي هَذِهِ المَشَاعِرِ وَفِي غيرها، وقد قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُشۡرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقۡرَبُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ ٱلۡحَرَامَ﴾ [التوبة: 28]، فالحَرَمُ مصدرُ التوحيدِ للعالمِ كُلِّه، فلا يُقَرُّ فيه الشِّرْكُ والمشركون. والشِّرْكُ: هو عِبَادَةُ غَيْرِ اللهِ، فيشمل عِبَادَةَ الأصنامِ وعبادةَ الأولياءِ والصالحين.