حراء ولا جَبَلُ النور، ولا غَارُ ثور، فما شرعَ
زيارتَهَا الرسولُ صلى الله عليه وسلم بعد البعثة، وما ذهب إلى غار حراء أبدًا،
وقد كَانَ يتعبَّد فيه قبل البعثة، ويبتعد عن المشركين وعن أَذاهُم، ويَعْبُدُ
رَبَّهُ فيه، واختفى فِي غار ثور عن ملاحقة المشركين له، فلَمَّا بَعَثَهُ اللهُ
نَبِيًّا، لم يذهب إلى غار حراء أو غار ثور، ولا أحدٌ من الصحابة ذهب إلى غار حراء
أو غار ثور، ولم يذهب إلى مَا يُسمُّونَهُ دَارَ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ، وهي
دارٌ تَقَعُ شرقي المسجد الحرام، ولمَّا خاف الخُرافيُّون من هدمها، جعلوها
مكتبةً؛ من باب التغرير بالناس، وصار بعضُ الجُهَّالِ يذهبون إليها، ويتبرَّكون
بها، بل ربما يستقبلها بعضُهم بالصلاة والدعاء ويتركون الكعبةَ، كَمَا لا يجوز
الذهابُ إلى قبر آمنةَ أُمِّ الرسولِ صلى الله عليه وسلم بالأَبْوَاءِ؛ لأن الرسولَ
صلى الله عليه وسلم لَمَّا نُهِيَ عن الاستغفار لها، لم يَكُنْ يذهب إلى قبرها،
ولا صحابتُهُ الكِرَامُ مَا كانوا يذهبون إليها.
وإنما هذا شيءٌ
أُحْدِثَ لَمَّا فَشَا الجهلُ والخرافاتُ فِي الناس، أَحْدَثُوهُ، ويُرَوِّج له
دُعَاةُ السوءِ، ويُرَوِّج له أيضًا الذين يبتزُّون أموالَ النَّاسِ، أصحابُ
السياراتِ، والمُزوِّرون، يُزوِّرونهم كي يأخذوا منهم نُقُودَهم، وهذا حرام وتغرير
بالمسلمين، ولا أصل لهذا العمل، فلا يُؤجَرون عليه، بل يأثمون.
فما ذَهَبَ الرسولُ
صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور، وإنما اختبأ فيه لَمَّا خرج للهجرة؛ مِنْ أَجْلِ
أن ينقطع عنه طلبُ المشركين، فقد اختبأ فيه واختفى للحاجة، وما ذهب إليه
مُتَعَبِّدًا، وإنما ذهب إليه للحاجة؛ ليختفي فيه عن المشركين، ولا أثر أَنَّهُ
كَانَ يزوره، أو أن الصحابة كانوا يزورونه، وليس زيارتُهُ من العبادة، وإنما هذا
من البدعة، ومن تضييع الوقتِ، واكتساب الآثام.