الزَّوَالِ، ويدخل فِي المساءِ؛ ولأنَّ النبيَّ
صلى الله عليه وسلم رخَّصَ للرُّعاةِ فِي تَرْكِ البَيْتوتةِ وأن يَرْمُوا يومًا
ويَدَعُوا يومًا؛ وأن يَرْمُوا لَيْلاً لِعُذْرِهِمْ، والزَّحْمَةُ والخَطَرُ فِي
هَذِهِ السنين أَشَدُّ من عُذْرِ السُّقَاةِ والرُّعَاةِ، فإن تَمَكَّنَ من
الرَّمْيِ فيما بين الزَّوَالِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فهذا هو الأَحْوَطُ، وإن لم
يتمكَّنْ، فإنه يَرْمِي فِي اللَّيْلِ؛ لأنَّ هذا كُلَّهُ داخِلٌ فِي المساءِ،
فالوَقْتُ واسعٌ، ولله الحمد.
وليس فِي الأَمْرِ
ضِيقٌ، ولكنَّ الناسَ هم الذين يُضيِّقُون عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فيَجِيئُونَ جميعًا
فِي وقتٍ واحدٍ، ويتضايقون، ويَحْصُل مَا يَحْصُل بسبب الْجَهْلِ، وإلا فلو
أَنَّهُمْ تَحَيَّنوا الوَقْتَ المُنَاسِبَ لهم، فمَنْ تَمَكَّنَ رَمَى بعد
الظُّهْرِ، ومَنْ تَمَكَّن رَمَى بعد الْعَصْرِ، ومَنْ تَمَكَّن رَمَى بَعْدَ
الْمَغْرِبِ، ومَنْ تَمَكَّنَ رَمَى بعد الْعِشَاءِ لَزَالَ الْخَطَرُ
والزَّحْمَةُ؛ فالوقتُ واسعٌ.
فإذا جِئْتَ
ووجَدْتَ الزِّحامَ الشَّدِيدَ، ارْجِعْ وأْتِ فِي ساعةٍ أخرى، وسَتَجِدُ
الفُرْصَةَ سانِحَةً، وقد جَرَّبْنَا هذا، فالذي يأتي قَبْلَ غُروبِ الشَّمْسِ
يومَ الحادي عشر والثاني عشر يَجِدُ المكانَ واسعًا، إنما الزَّحْمَةُ والشِّدَّةُ
مَا بين زَوَالِ الشَّمْسِ إلى الْعَصْرِ، وهذا أَشَدُّ مَا يكون.
فالنَّاسُ هم الذين
يُسبِّبون لأَِنْفُسِهِمُ الْمَشَقَّةَ، فيتضايقون بِسَبَبِ إصرارهم عَلَى الرَّمي
فِي وَقْتٍ واحدٍ، وإذا جاؤوا ووَجَدُوا الزِّحامَ فإنهم لا يَرْجِعُونَ؛ مع أنهم
لو رَجَعُوا وجاءوا فِي وقتٍ آخَرَ لَكَانَ خَيْرًا.
فعلى الْمُسْلِمِ أن
يرفق بنفسه، ويرفق بإخوانه، حتى لو فاتَ الرَّمْيُ فِي اليومِ الحادي عشر،
فأَجَّلَ الرَّمْيَ لليوم الثاني عشر، وجاء فِي وقتٍ فيه مُتَّسَعٌ ليرمي
جَمَرَاتِ اليومِ الأوَّلِ، ثُمَّ يَعُودُ ويَرْمِي جَمَرَاتِ اليومِ الحاضرِ
بالترتيبِ، فإنَّ هذا يُجْزِئُهُ، وهكذا لو أَنَّهُ جَمَعَ جَمَرَاتِ اليومين