ورأيتَ اختلافَ الناسِ فِي لُغَاتِهِمْ
وألوانِهِمْ وأعمالِهِمْ وطبائعِهِمْ، ورأيتَ الزِّحَامَاتِ، فهذا يُذكِّرك
بالحَشْرِ الأكبرِ يومَ القيامةِ، فاستعدَّ له بالأعمالِ الصالحةِ. ثم قَالَ: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن
يُعۡجِبُكَ قَوۡلُهُۥ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيُشۡهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا
فِي قَلۡبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلۡخِصَامِ ٢٠٤ وَإِذَا
تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ
وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ ٢٠٥ وَإِذَا
قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتۡهُ ٱلۡعِزَّةُ بِٱلۡإِثۡمِۚ فَحَسۡبُهُۥ
جَهَنَّمُۖ وَلَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ٢٠٦ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن
يَشۡرِي نَفۡسَهُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ رَءُوفُۢ بِٱلۡعِبَادِ﴾ [البقرة: 204- 207].
فانظر مِنْ أيِّ
الفريقين أنت؛ هَلْ أنت من الفريقِ الأوَّلِ الَّذِي تولَّى فِي الأرض لِيُفْسِدَ
فيها؟ أو أنت من الذين يَشْرُونَ أَنْفُسَهُمُ ابتغاءَ مَرْضَاةِ اللهِ؟ يَشْرِي؛
يعني: يَبِيعُ نَفْسَهُ ابتغاءَ مرضاةِ اللهِ بالجهادِ فِي سبيلِ اللهِ، وَفِي
أداءِ الطاعاتِ، والصبرِ عَلَى المشاقِّ؛ رجاءً لثوابِ اللهِ عز وجل، انظر هَلْ
أنتَ مِنْ هؤلاء، أو من هؤلاء؟!
فعلَيْكَ أن تتقِّيَ اللهَ سبحانه وتعالى، وأن تحاسِبَ نَفْسَكَ، وأن تَرْجِعَ بحالٍ أَحْسَنَ من حالِكَ الأوَّلِ؛ حتى يَكُونَ حَجُّكَ مبرورًا، وسَعْيُكَ مشكورًا، وذنبُكَ مغفورًا، ولا تَقُلْ: إني حَجَجْتُ، وتعتمد عَلَى هذا، فتَغترَّ بحجِّك أو بأعمالِك، فأنت مَا أدَّيت من حقِّ الله إلاَّ أقلَّ القليل، إنْ تقبَّلَه اللهُ منك، وحقُّ اللهِ عليك أعظمُ، ولكنه جل وعلا يَجْعَلُ القليلَ كثيرًا، ويُضاعِفُ الأعمالَ الصَّالِحَةَ؛ تَفَضُّلاً مِنْهُ وإحسانًا، ويُدْخِلُ صاحبَها الجَنَّةَ بفضلِهِ ورحمتِهِ، وإلا فلو وَكَلَنَا اللهُ إلى أعمالنا، لهلَكْنا؛ لأنها لا تُقابِل أقلَّ نعمةٍ مِنْ نِعَمِ اللهِ عَلَيْنَا، لكنَّ اللهَ جل وعلا شكورٌ حليمٌ غفورٌ رحيمٌ.