وقال الشاطبيُّ
أيضًا رحمه الله: «وسُئِلَ ابنُ كِنَانَةَ عن الآثارِ التي تَرَكُوا فِي المدينةِ، فقال:
أَثْبَتُ مَا عندنا قُبَاءٌ. إلخ. وقد ثَبَتَ أنَّ عُمَرَ قَطَعَ الشَّجَرَةَ التي
رأى الناسَ يَذْهَبُونَ للصلاةِ عندها؛ خَوْفًا عليهم من الفِتْنَةِ، وقد ذَكَرَ
عُمَرُ بْنُ شبَّةَ فِي «أخبار المدينة»، وبَعْدَهُ العينيُّ فِي «شرح البخاري»
مساجدَ كثيرةً، ولكن لم يذكروا المساجدَ السبعةَ بهذا الاسمِ.
وبهذا العَرْضِ
المُوجَزِ يُعلَم أَنَّهُ لم يَثْبُتْ بالنقلِ وُجُودُ مساجدَ سبعةٍ، بل ولا مَا
يُسَمَّى «مسجد الفتح» والذي اعتنى به أبو الهيجاء وزيرُ العُبَيْدِيِّينَ
المعروفُ مَذْهَبُهم، وحيث إن هَذِهِ المساجدَ صارتْ مقصودةً مِنْ كثيرٍ من الناسِ؛
لزيارتِهَا، والصلاةِ فيها، والتبرُّكِ بها، ويُضلَّل بسببها كثيرٌ من الوافدينَ
لزيارةِ مسجدِ الرسولِ، فقصدُها بدعةٌ ظاهرةٌ، وإبقاؤها يتعارضُ مع مقاصدِ
الشريعةِ، وأوامرِ المَبْعُوثِ بإخلاصِ العبادةِ له، وتقضي بإزالتها سُنَّةُ رسول
الله، حيث قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ»
([1])، فتَجِبُ إزالتُها؛
دَرْءًا للفتنةِ، وسَدًّا لذريعةِ الشِّرْكِ، وحِفَاظًا عَلَى عقيدةِ المسلمينَ
الصافيةِ، وحِمَايةً لجنابِ التوحيدِ؛ اقتداءً بالخليفةِ الرَّاشِدِ أميرِ
المؤمنينَ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ؛ حَيْثُ قَطَعَ شَجَرَةَ الحُدَيْبِيَةِ لَمَّا
رَأَى الناسَ يَذْهَبُونَ إليها؛ خَوْفًا عليهم من الفِتْنَةِ، وبَيَّن أن
الأُمَمَ السَّابِقَةَ هلكَتْ بتتبُّعِهَا آثارَ الأنبياءِ التي لم يُؤمَروا بها؛ لأن
ذَلِكَ تشريعٌ لم يَأْذَنْ به اللهُ». انتهى.
ثانيًا: وممَّا تقدَّمَ يُعلَم أن توجُّهَ الناسِ إلى هَذِهِ المساجدِ السبعةِ، وغيرِها من المساجدِ المُحدَثَةِ؛ لِمَعْرِفَةِ الآثارِ، أو للتعبُّدِ والتمسُّحِ بجدرانِها ومحاريبِها، والتبرُّكِ بها بِدْعَةٌ، ونوعٌ من أنواعِ الشِّركِ شبيهٌ
([1])أخرجه: مسلم رقم (1718).