القسم الثّالث: الذين آمنوا بالقرآن
ظاهرًا وكفروا به باطنًا، وهم المنافقون، وهم شرٌّ من الكُفّار الذين كفروا
بالقرآن ظاهرًا وباطِنًا، ولهذا أنزل الله فيهم بِضعَ عشرةَ آية، بينما ذكر في
الكفّار آيتين؛ لأنّهم أخطر من الكُفّار، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ
ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم
بِمُؤۡمِنِينَ ٨ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ
إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ ٩ فِي
قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ ١٠ وَإِذَا
قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ
مُصۡلِحُونَ ١١ أَلَآ
إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ ١٢ وَإِذَا
قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ
ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا
يَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة: 8- 13] إلى قوله تعالى:
﴿وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ
ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [البقرة: 20]، هذه الآيات كلّها في
المنافقين، وهم الصّنف الثّالث.
ثم قال بعد ذلك: ﴿يَٰٓأَيُّهَا
ٱلنَّاسُ﴾ [البقرة: 21] نادى النّاس جميعًا، المؤمن والكافر، والعربي والعجمي،
ناداهم جميعًا وأمرهم بعبادته. وهذا دليل على عموم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم،
وأنه بُعث إلى النّاس كافّة، كما قال تعالى: ﴿قُلۡ
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا ٱلَّذِي لَهُۥ
مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ﴾ [الأعراف: 158]، وقال تعالى: ﴿تَبَارَكَ
ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلۡفُرۡقَانَ عَلَىٰ عَبۡدِهِۦ لِيَكُونَ لِلۡعَٰلَمِينَ نَذِيرًا﴾ [الفرقان: 1]، ووصف القرآن بأنه
هدى للنّاس، وأنّه هدًى للعالَمين، فرسالتُه صلى الله عليه وسلم عامّة لجميع
الثَّقَلين.
وقوله تعالى: ﴿ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: 21] هذا أمرٌ من الله سبحانه وتعالى بعبادته وحده لا شريك له، وترك عبادة ما سواه.