×
شرح المَنظُومَةُ الحائِيَّة

فَلا مَجالَ للزِّياداتِ والإضافاتِ والاستحساناتِ، واتِّباعِ النَّاسِ عَلَى ما هُم عليه؛ حتّى نَعْرِفَ دلِيلَهُم، فإن كانوا عَلَى حقٍّ اتَّبعْناهُم، قال تعالى: ﴿وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ [يوسف: 38]، هذا الاتِّباعُ عَلَى الحقِّ، أمَّا إذا كانُوا عَلَى غيرِ حَقٍّ فإنَّنا لا نَتَّبِعُهم، ولو كانُوا مِن أفضَلِ النَّاسِ.

والنَّصارَى لمَّا أحْدَثُوا الرَّهبانِيَّةَ الَّتِي ما كتَبها اللهُ عليهِم ضلُّوا بها، وأيْضًا ما قامُوا بها؛ لأنَّهُم عَجَزُوا عَن أنْ يقُومُوا بها؛ لأنَّهُم هُمُ الَّذِينَ حمَّلُوا أنفُسَهم ما لا تُطيقُ، واللهُ سبحانه وتعالى لا يُكلِّفُ نفسًا إلا وُسعَها، فعَجزُوا عَنها، وتَركُوها ﴿ فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ [الحديد: 27]، وقوله: ﴿ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ رِضۡوَٰنِ ٱللَّهِ [الحديد: 27] أيْ: أحْدَثُوها يَبْتَغُونَ بها رِضوانَ اللهِ، فهذا دليلٌ عَلَى أنّ العِبرةَ بالدَّليلِ لا بالمقاصِد والنِّيَّاتِ فقط.

فالحاصِلُ: أنَّ البدعةَ شَرٌّ، وإنْ زعَمَ أصحابُها أنَّها خَيرٌ!

وإنْ قالوا: إنَّ البدعةَ تنقسِمُ إلى أقسامٍ: بِدْعَةٍ حَسَنَةٍ، وبِدْعَةٍ سَيِّئَةٍ ([1])!


الشرح

([1])  قال الشاطبي رحمه الله فِي ((الاعتصام)) (1/ 188- 193) ط. المكتبة التجارية: وما يُورد فِي هذا الموضع أن العلماء قسّموا البدع بأقسام أحكام الشريعة الخمسة، ولم يعدوها قسمًا واحدًا مذمومًا، فجعلوا منها ما هو واجب، ومندوب، ومباح ومكروه، ومُحرّم، وبسط ذلك القرافِي بسطًا شافيًا، وأصل ما أتى به من ذلك شيخه عز الدين بن عبد السلام))، ثم بعد أن نقل كلام القرافِي وشيخه فِي تقسيم البدعة، قال: ((... هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، بل هو فِي نفسه متدافع؛ لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده؛ إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع عَلَى وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثمّ بدعة، ولكان العمل داخلاً فِي عموم الأعمال المأمور بها أو المخيّر فيها، فالجمع بين أن تلك الأشياء بدع، وبين كون الأدلة تدل عَلَى وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين. أما المكروه منها والمحرم فمسلّم من جهة كونها بدعًا لا من جهة أخرى؛ إذ لو دل دليل عَلَى منع أمر أو كراهته لم يثبت ذلك كونه بِدعةً؛ لإمكان أن يكون معصيةً، كالقتل والسَّرِقة وشُرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم ألبتة إلا الكراهية والتحريم حسبما يذكر فِي بابه.

فما ذكره القرافِي عن الأصحاب من الاتفاق عَلَى إنكار البدع صحيح، وما قسمه فيها غير صحيح)). ا. هـ بتصرف.