ذلك؛ فلَهُ أجْرُها وأَجْرُ مَنِ اقتَدَى به، فَعَمِلَ
بها، فهذهِ ليستْ بِدعةً حسنةً، وإنَّما هي سُنَّةٌ حسنَةٌ.
فتعليمُ العِلْم
النَّافِع، وعملُ ما يُعينُ عَلَى طلَبِ العِلْم مِن فَتْحِ المَدارِسِ، وإِنشاءِ
المَعاهِدِ والكُلِّيَّاتِ، وفَتْحِ الرُّبُطِ لِطَلَبةِ العِلْم، هذا كُلُّهُ مِمَّا
يُعينُ عَلَى طلبِ العِلْم، وهو مأمورٌ به شرعًا، وليس من البِدَعِ.
وأمَّا الأمورُ
المُبتَدَعةُ فِي غيْرِ الدِّينِ، كصناعةِ الطَّائِراتِ والسَّيَّاراتِ،
والمراكِبِ البحريَّةِ، فهذه أمورٌ مُباحَةٌ، وليسَتْ مِن الابتداعِ فِي الدِّينِ،
واللهُ جل وعلا يقولُ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم
مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُُۚ﴾ [الجاثية: 13]،
لأجْلِ مَنافعِكم ومصالِحكُم، فهذه لا تدخُل فِي العباداتِ، لكِن قد يُستعانُ بِها
لأداءِ العبادةِ: فنَركَبُ السَّيَّارةَ للحَجِّ، أو لِصِلَةِ الرَّحِمِ، أو
تَحصيلِ المُباحاتِ، ونركَبُها لِلتِّجارَةِ، وللنُّزْهَةِ، وهذِه كُلُّها مِن
منافِع السَّماواتِ والأرضِ الَّتِي أباحَها اللهُ لنا، فليستْ بِدعَةً؛ لأنَّها
ليستْ مِنَ الدِّينِ، بَل هيَ مِن العاداتِ والمُباحاتِ، فلا نُسمِّيها بِدْعَةً،
إلاَّ إِنْ كانَ مِن ناحيةِ اللُّغةِ؛ لأنَّها شيءٌ جديدٌ، ولكونِها ظَهَرتْ فِي
وقتٍ، ولم تظهر فيما قَبْلَهُ؛ حيثُ قَدِرَ النَّاسُ عليها، وكانوا مِن قَبْلُ لا
يَقدِرونَ عليها.
فينبَغِي معرفةُ هذه
الأمورِ؛ لأنَّ أهلَ الضَّلالِ يُلبِّسُونَ عَلَى النَّاسِ، ويقولونَ: هلْ كُلُّ
شَيْءٍ بِدعةٌ؟! فنقولُ: لا، ليسَ كُلُّ شيءٍ بدعةً، بلِ البِدَعُ: هيَ ما
أُحْدِثَ فِي الدِّينِ مِمَّا ليسَ مِنهُ، وليسَ له دليلٌ مِن كتابِ اللهِ، أو
سُنَّةِ رَسُولهِ صلى الله عليه وسلم. أمَّا ما عداها فليسَ بِبدعةٍ، وإنَّما
هو مِمَّا أباحَ لعبادِه. فَفَرْقٌ بينَ هذا وهذا.