فهذا تَوثيقٌ لسَنَدِ
القُرآنِ الكريمِ، أنَّه تلقَّتْهُ أمَّةُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عن محمَّدٍ
عن جبريلَ عنِ اللهِ عز وجل، فهوَ كلامُ اللهِ.
وأمَّا إضافَتُه إلى
المَلَكِ في قوْلِه: ﴿إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولٖ
كَرِيمٖ﴾ [التكوير: 19]،
وإضافتُه إلى محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في قوْلِه: ﴿إِنَّهُۥ
لَقَوۡلُ رَسُولٖ كَرِيمٖ ٤٠ وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ
شَاعِرٖۚ قَلِيلٗا مَّا تُؤۡمِنُونَ ٤١﴾ [الحاقة: 40، 41]
فهيَ إضافَةُ تَبلِيغٍ، فمحمَّدُ صلى الله عليه وسلم وجبريلُ عليه السلام كِلاهما
مُتحمِّلٌ ومُبلِّغٌ لكلامِ اللهِ.
والكلامُ إنَّما
يُضافُ إلى مَن قالَه مُبتَدِئًا، لا إلى مَن قالَهُ مُبلِّغًا مُؤَدِّيًا ([1])؛ لأنَّه لا يُمكِنُ
أن يكونَ الكلامُ من ثلاثَةٍ، فاللهُ أخبَرَ أنَّه كلامُه. وأضافَهُ إلى الرَّسولِ
المَلَكيِّ، وإلى الرَّسولِ البشريِّ من بابِ إضافَةِ التَّبليغِ فحَسْب، وهو
كلامُ اللهِ ابتِداءً، وهوَ كلامُ جبريلَ ومحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم تَبليغًا
عنِ اللهِ عز وجل.
لا يَشكُّ المسلمونَ
في هذا، أنَّه كلامُ اللهِ، مُنزَّلٌ غيرُ مَخلوقٍ، قالَ تَعالى: ﴿ إِنَّآ أَنزَلۡنَآ
إِلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ﴾ [الزمر: 2]، وقال تعالى: ﴿تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ
مِنَ ٱللَّهِ﴾ [الزمر: 1]، وقال
تعالى: ﴿ مُنَزَّلٞ مِّن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّۖ
﴾ [الأنعام: 114].
واللهُ جل وعلا
وصَفَه بأَنّه كلامُه، فقالَ تعَالى: ﴿حَتَّىٰ يَسۡمَعَ
كَلَٰمَ ٱللَّهِ﴾ [التوبة: 6]، ﴿ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ
كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ ﴾ [الفتح: 15]، فوصَفَهُ بأنَّه كَلامُه، وأنَّه هو
الَّذي أَنزلَهُ.
أمَّا الأشاعرةُ فيقولونَ: إنَّه مَكتوبٌ في اللّوحِ المَحفوظِ، وإنَّ جِبريلَ أخَذَهُ منَ اللَّوحِ المَحفوظِ، ونَزلَ به على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
([1]) انظر: الواسطية (ص 136) بشرح المؤلف حفظه الله، ط. مكتبة المعارف بالرياض.