×
شرح المَنظُومَةُ الحائِيَّة

وهذا قولٌ باطِلٌ؛ فإنَّ جبريلَ لم يأخُذْه عنِ اللَّوحِ المَحفوظِ، وإنَّما أخَذَه عنِ اللهِ عز وجل. نعَمْ هوَ مَكتوبٌ في اللَّوحِ المَحفوظِ، قالَ تَعالى: ﴿بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيدٞ ٢١ فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۢ ٢٢ [البروج: 21، 22]،﴿ وَإِنَّهُۥ فِيٓ أُمِّ ٱلۡكِتَٰبِ لَدَيۡنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ [الزخرف: 4]، يعني: القرآنَ، فهوَ مَكتوبٌ في اللَّوحِ بلا شَكٍّ، ولكنَّ جبريلَ لم يأخُذْه عنِ اللَّوحِ - كما تَقولُه الأشاعِرَةُ - وإنَّما أخَذَه عنِ الله جل وعلا، فيَنبَغِي مَعرفةُ هذا؛ لأنَّ هذا مَذكورٌ في عقائِدِ الأشاعرَةِ، وقدْ ردَّ الشَّيخُ محمَّدُ بنُ إبراهيمَ رحمه الله على هذا القولِ في رِسالةٍ مَطبوعةٍ -وهي أيضًا مع فتاواهَ- سمَّاها: «الجَوابُ الواضِحُ المُستقيمُ في كيفيَّةِ نُزولِ القرآنِ الكريِم» ([1])، ردَّ على هذا القوْلِ وأبْطَلَه؛ لأنَّ القوْلَ: بأنَّه أخذَهُ من اللَّوحِ المَحفوظِ وسيلَةٌ إلى أنَّ اللهَ خلَقَه في اللَّوحِ المَحفوظِ، كما تقُولُهُ الجهميَّةُ، فهذا مَأخوذٌ من قوْلِ الجَهميَّةِ، وهو قَولٌ باطِلٌ يجِبُ التَّنبيهُ عليهِ.

واللهُ جل وعلا من صِفاتِه الفِعليَّةِ أنَّه يَتكلَّمُ؛ كما أنَّه يَخلُقُ ويَرزُقُ ويُحْيي ويُمِيتُ ويُدبِّرُ ويَشاءُ ويُريدُ، فهوَ سبحانه وتعالى يتكلَّمُ كلامًا يَليقُ بجَلالِه كسائرِ صِفاتِه، يتكَلَّمُ متَى شاءَ بما شاءَ إذا شاءَ.

وكلامُه قديمُ النَّوعِ حادثُ الآحادِ، بمعنى: أنَّه يَتكلَّمُ إذا شاءَ: يتكلَّمُ بالقُرآنِ وقْتَ نُزولِه، ويُكلِّمُ جبريلَ، وكلَّمَ مُوسى، وكلَّمَ نَبيَّنا محمَّدًا صلى الله عليه وسلم ليلةَ الإسراءِ، وقبْلَ ذلكَ كلَّمَ آدمَ عليه السلام، ويتكلَّمُ يومَ القِيامةِ، فيُحاسِبُ


الشرح

([1])  انظر: مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/ 149) رقم (159) وهي رد على السيوطي في كتابه ((الإتقان)).