×
شرح المَنظُومَةُ الحائِيَّة

 النَّاسَ، ويكلِّمُ المُؤمنينَ في الجنَّةِ ويُكلِّمونه، فهوَ يتكلَّمُ بكَلامٍ قَديمِ النَّوعِ لا بِدايةَ له كسائِرِ صِفاتِه، حادثِ الآحادِ.

وسائرُ الكُتبِ المُنزَّلةِ على الأنبياءِ كلِّها كلامُ اللهِ جل وعلا ومنها القُرآنُ الكريمُ، الَّذي هو أعظَمُها، الَّذي جَعَلَه اللهُ مُهَيْمِنًا عَلَيها، فهوَ كَلامُه جل وعلا حقيقةً لا مَجازًا، مُنزَّلٌ منهُ غيرُ مَخلوقٍ. هذا مَذهبُ أهْلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ، ويُصرِّحُون بهذا.

والمسلمون في زمَنِ الصَّحابةِ ليسَ عندَهم شكٌّ في هذا، وإنَّما لمَّا ظَهرتِ الجهميَّةُ وقالوا: القُرآنُ مَخلوقٌ، وكذلكَ لمَّا ظَهرتِ المُعتزلَةُ والأشاعِرَةُ ومُشتقَّاتُهم، ردَّ علَيهم أهْلُ السُّنَّةِ وبيَّنُوا أنَّ القُرآنَ مُنزَّلٌ غيرُ مَخلوقٍ، إبْطالاً لقوْلِهم؛ لأنَّه إذا قيلَ: إنَّ القُرآنَ مَخلوقٌ، فمَعناهُ أنَّ اللهَ لا يَتكلَّمُ، والَّذي لا يتكلَّمُ لا يكونُ إِلهًا؛ كما قالَ إبراهيمُ عليه السلام لأبيهِ: ﴿يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا يُغۡنِي عَنكَ شَيۡ‍ٔٗا [مريم: 42]، فالّذي لا يَسمَعُ ولا يُبصِرُ جمادٌ، وفي الآيَةِ الأخرى: ﴿ وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ [الأعراف: 148]، لا يُكلِّمُهم لأنَّه جمادٌ، فدلَّ على أنَّ الَّذي لا يَتكلَّمُ ليسَ بإلَهٍ؛ وكما قالَ في الآية الأخرى: ﴿ فَأَخۡرَجَ لَهُمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٞ فَقَالُواْ هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ ٨٨ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا ٨٩ [طه: 88- 89]، يعني: لا يكلِّمُهم ﴿ وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا [طه: 89]. و«أنْ» هذه ليستِ المَصدريَّةَ، بل هيَ المُخفَّفةُ منَ الثَّقيلةِ، والأصلُ «أنَّه لا يَرجعُ»، ولذلك صارَ الفِعلُ مَرفوعًا بَعدَها.


الشرح