فإذا كان هذا في
أمْرِ الدُّنيا فكيفَ يُعرِضُ عنْ أمْرِ الآخرَةِ الَّذي لا يَحتاجُ إلى زِحامٍ،
وهوَ مَضمونُ الخَيرِ ليسَ فيه غَائِلَةٌ، وليس فيه زِحامٌ، ولا مُنافساتٌ، ولا
أَصواتٌ، ولا مُغالَباتٌ؟! كيف يُعرِضُ الإنسانُ عن هذا ويَذهَبُ إلى ما لا يَدري
عَنهُ هل هوَ خيرٌ أو شرٌّ؟! وهوَ إلى الشَّرِّ أقرَبُ، في هذا الزَّمانِ الَّذي
أصبَحَ فيه كثيرٌ منَ النَّاسِ لا يُبالي بالحَلالِ والحَرامِ، فالشَّرُّ
والفِتنَةُ عَظيمةٌ بالأموالِ الآنَ، ومعَ هذا يَتَقاتَلُ النَّاسُ علَيها، وأمَّا
الفُرَصُ العَظيمةُ معَ اللهِ جل وعلا أكْرَمِ الأكرَمينَ، وأجْودِ الأجوَدينَ،
وأرْحمِ الرَّاحمينَ، الَّذي لا يَستَغْني أحَدٌ عنهُ طَرْفَةَ عَينٍ، فكيفَ
يَغْفُلون عن هذِه الفُرصةِ الَّتي فَتَحها اللهُ لهُم؟! ولم يَطلُبْ منهُم أن
يَسْهروا اللَّيلَ كلَّه، بل هوَ - سُبحانه - يَنزِلُ آخِرَ اللَّيلِ قَبلَ
الفَجرِ. لو لم تَقُمْ إلاّ قَبيلَ الفَجرِ بدَقائِقَ لتَشْهدَ هذا المَشهدَ
العَظيمَ، وإذا بكَّرْتَ فهوَ أفْضلُ، فلا تُفوِّتْ هذهِ الفُرصةَ العَظيمةَ
وتَغفُلْ عنها، فرُبَّما يكونُ هذا آخِرَ حياتِكَ ولا تُدْرِكُها في المُستقبلِ،
فما دُمْتَ في زَمنِ الإمكانِ، وما دُمْتَ فَارغًا غَيرَ مَشغولٍ فلا تُضيِّعْ
هذهِ الفُرصَةَ العَظيمةَ.
قوْلُ النَّاظمِ رحمه الله تعالى: «يَقُولُ
أَلاَ مُسْتغْفِرٍ»: هو طالِبُ المَغفرةِ.
قولُه: «يَلْقَ
غَافِرًا»: هوَ اللهُ جل وعلا، فإنَّ من أسمائِهِ الغفَّارَ، والغَفورُ:
ذُو المَغفرةِ، هذا مِن أسماءِ اللهِ جل وعلا، فهو - سُبحانه - الَّذي يَستُرُ
الذُّنوبَ.
والغَفْرُ: معناهُ السَّترُ، يَسترُ الذُّنوبَ بالعَفْوِ وعَدَمِ المُؤاخَذَةِ.