وأَهلُ السُّنَّة
والجَماعَة: تَوسَّطوا، فقَالُوا: كلُّ شيءٍ فهو بقَضاءِ الله وقَدَرِه، ومنها أَفعالُ
العِبادِ؛ فهي مَخلُوقَة لله، وهي فِعلُ العَبدِ باختِيَارِه ومَشيئَتِه؛ لأنَّ
العَبدَ له مَشِيئةٌ وله اختِيارٌ، ولَكِنَّه لا يَستَقِلُّ عن الله، كما تَقُولُه
القَدَريَّة، وليس مُجبَرًا، كما تَقُولُه الجَبْرِيَّة، بل هو يفعل الأشياءَ
باختِيَارِه ومَحضِ إِرَادَتِه؛ ولِذَلِك يُثاب عَلَى فِعلِ الخَيرِ، ويُعاقَبُ
عَلَى فعل الشَّرِّ؛ لأنَّه فَعَل بإِرَادَتِه ومَشِيئَته، ولو كان مُجبَرًا
فإنَّه لا يُعاقَبُ. كيف يُعاقَب عَلَى شيءٍ ليس له فيه اختِيَارٌ ولا مَشِيئَة أو
إِرَادَة؟
ولِذَلِكَ الله جل
وعلا لا يُؤاخِذُ المَجنُونَ الَّذي ليست له إِرادَة، ولا يُؤاخِذ المُكرَه الذي
ليس له اختِيَارٌ، ولا يُؤاخِذ النَّائِمَ الَّذِي ليس عِندَه فِكْرٌ وعَقْلٌ، قال
صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ: الصَّغِيرِ حَتَّى
يَحْتَلِمَ، وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَالنَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقِظَ»
([1])، لِماذَا؟ لأنَّ
هَؤُلاءِ لَيسَت لهم إِرادَة أو مَشِيئَة، فلا يُؤاخَذُون عَلَى ما فَعَلوا وقتَ
غِيابِ عُقولِهم وإِرادَتِهم.
أمَّا مَن كانَت عِندَه إِرادَة وعِندَه مَشِيئَة واختِيارٌ فإنَّه يُثاب عَلَى فِعلِ الطَّاعاتِ ويُعاقَب عَلَى فِعلِ المَعاصِي؛ لأنَّه فَعَلها باختِيَارِه وإِرَادَتِه، والله جل وعلا يَقُول: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ﴾ [البقرة: 277] ﴿وَعَمِلُواْ﴾، فأَسنَد العَمَل إِلَيهِم، ويقُول: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾فأَسنَد الكُفرَ إِلَيهم؛ لأنَّه مِن فِعْلِهم وبإِرادَتِهم،
([1]) أخرجه: ابن ماجه رقم (2041)، والنسائي رقم (3432)، والحاكم رقم (2350)، وأحمد رقم (24694).