×
شرح المَنظُومَةُ الحائِيَّة

ويَقُول: ﴿وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ [الجن: 23]، فأَسنَد المَعصِيةَ إِلَيهم؛ لأنَّها من فِعْلهم.

فهِي مِن نَاحِيَة الفِعْل: أَفعالُ العِبادِ، ومِن نَاحِيَة القَدَر: مُقَدَّرة من الله جل وعلا فهي قَدَر الله وهي فِعْل العَبدِ، جمعًا بين النُّصُوص.

وهذا يدلُّ عَلَيهِ قَولُه تَعالَى: ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ أَن يَسۡتَقِيمَ ٢٨ وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٩ [التكوير: 28، 29].

فقَولُه: ﴿ لِمَن شَآءَ مِنكُمۡ: هَذَا ردٌّ عَلَى الجَبْرِيَّة الذين يَنفُون مَشِيئَة العَبدِ، فدلَّ عَلَى أنَّ العَبدَ يَستَقِيم بمَشِيئَتِه.

ثمَّ قال: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ [التكوير: 29]: هَذَا ردٌّ عَلَى القَدَرِيَّة الذين يَقُولون: إنَّ مَشِيئَة العَبدِ مُستَقِلَّة، والعَبدُ يَفعَل استِقلالاً، فالآية ردٌّ عَلَى الطَّائِفَتَين.

وفِي الآية: إِثباتُ مَذهَب أهلِ السُّنَّة والجَماعَة: أنَّ الطَّاعَات والمَعاصِي هي فِعلُ العِبادِ، وهي قَضاءُ الله وقَدَرُه، قَدَّرَها عَلَيهِم، وفَعَلُوها باختِيَارِهم ومَشِيئَتِهم وإِرادَتِهم؛ ولِذَلِك الإِنسانُ العاقِلُ - غَيرُ المُكْره - يَستَطِيع أن يفعل، ويَستَطِيع أن يَتْرك؛ يَستَطِيع أن يقوم يُصلِّي، ويَستَطِيع أن يَتصدَّق، ويَستَطِيع أن يُجاهِد فِي سبيل الله. كما أنَّ الإِنسانَ يَستَطِيع أن يَتْرُك الصَّلاةَ، ويَستَطِيع أن يَتْرك الأَمرَ بالمَعرُوف والنَّهي عن المُنكَر، ويَستَطِيع أن يَتْرك الجِهادَ فِي سَبيلِ الله. يَتْرك هو باستِطَاعَتِه واختِيَارِه، فهو يَستَطِيع أن يَفعَل ويَستَطِيع أن يَتْرك. يُقْدِم عَلَى الزِّنا، وعَلَى شُربِ الخَمرِ، وعلى أَكلِ الرِّبا باختِيَارِه، ويَستَطيع أن يَتْرك 


الشرح