الرِّزقَ، قال صلى الله عليه وسلم: «لَوْ
أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا
يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا، وَتَرُوحُ بِطَانًا» ([1])، الطُّيور لم
تَقعُد فِي أَوكارِها، فِطرَتُها تَقتَضِي أنَّها تَتحرَّك وتَذهَب لِتَطلُب
الرِّزقَ، «تَغْدُو خِمَاصًا»: فِي الصَّباح، «وَتَرُوحُ»: فِي المَساء، «بِطَانًا»:
شَبْعَى.
فلا تَنافِيَ بين:
الإِيمانِ بالقَضاءِ والقَدَر، وفِعلِ الأَسبابِ. إنَّما يَقُول هَذَا
الجَبْرِيَّة.
ولَكِنَّ الأَسبابَ
لا تستَقِلُّ بإِيجادِ النَّتيجة، إنَّما المسبِّب هو الله جل وعلا ردًّا عَلَى
القَدَرِيَّة. فلا نَغلُو فِي إِثباتِ الأَسبابِ كالقَدَرِيَّة، ولا نَغلُو فِي
نَفْي تَأثِيرُها، كما تَقولُه الجَبْرِيَّة. فاتِّخاذُ الأَسبابِ أمرٌ مَطلُوب،
قال تَعالَى: ﴿فَٱبۡتَغُواْ
عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ﴾ [العنكبوت: 17]، وقال: ﴿وَٱبۡتَغُواْ
مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ﴾ [الجمعة: 10] واللهُ أَمَر بالصَّلاةِ والصِّيامِ
وأَمَر بالطَّاعَات، وهَذَا مِن فِعْل الأَسبابِ، ونَهَى عن أَسبابِ الشَّرِّ،
كالكُفرِ والمَعاصِي والفُسوقِ.
فلَيس مَعنَى الإِيمانِ بالقَضاءِ والقَدَر أن تُعطِّل الأَسبابَ، بل تَمضِي فِي طَلَبها مع الإيمان بأنَّه إن كان الله كَتَب لك شَيئًا سَيأتِيك، ولَكنْ لا يأتِي لك شيءٌ وأنت جالِسٌ، لا بُدَّ أن تَفعَل السَّبَب؛ ولِهَذا قال صلى الله عليه وسلم: «احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعْنِ بِالله، وَلاَ تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنَّي فَعَلْتُ كَذَا لَكَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ» ([2]).
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2344)، وابن ماجه رقم (4164) وأحمد رقم (205).