×
شرح المَنظُومَةُ الحائِيَّة

﴿وَقَعَدُواْ لَوۡ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُواْۗ قُلۡ فَٱدۡرَءُواْ عَنۡ أَنفُسِكُمُ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ  [آل عمران: 168]، فلَيسَ الجُلُوس فِي البُيوتِ يَمنَع من المَوتِ، وليس الخُروجُ للجِهادِ يُوقِع المَوتَ، أو يَجلِب المَوتَ إذا لم يُقَدِّرْه الله، فهو سببٌ، ولَكِنْ إذا لم يُقَدِّره الله فلا أَثَر ولا نَتِيجَة له.

كَم الَّذِين يَدخُلون المَعارِك ويَخرُجون سَالِمِين مُعافَيْن؟ وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه لمَّا حَضَرَتْه الوَفاةُ قال: «مَا فِي جِسمِي مَوضِعُ شِبْرٍ إلاَّ وفيه طَعنَةٌ أو ضَرْبَة» ([1])، وكان يتمنَّى الشَّهادَة، وخاضَ مَعارِكَ عَظيمةً، وتمنَّى أن يُقتَل فِي سَبيلِ الله، ولَكِنْ لم يُقَدَّر له ذَلِكَ.

فالإِيمانُ بالقَضاءِ والقَدَر يَبعَثُ عَلَى الشَّجاعَة والإِقدامِ والتَّوكُّل عَلَى الله سبحانه وتعالى، أمَّا القُعود فلا يُغنِي شَيئًا، قال تَعالَى: ﴿قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ [آل عمران: 154]، وقال: ﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ [النِّساء: 78].

فالقَضاءُ لا بُدَّ أن يَنفُذ ولا بُدَّ أن يَجْري، ولا فائِدَةَ فِي قُعودِ الإِنسانِ وتَخَلُّفُه عن فِعْل الأَسبابِ النَّافِعَة، والكَفُّ عن الأَسبابِ السَّيِّئَة، فهَذَا يَبعَث فِي الإِنسانِ القُوَّة والشَّجاعة والإِيمانَ بالله عز وجل، ويَنفِي عنه الشُّكوكَ والأَوهامَ والتَّشاؤُم الذي يُصاب به كَثيرٌ من النَّاس، وينفي عنه الوَساوِس؛ ولِهَذا كان أَهلُ الإِيمانِ لا يتأخَّرُون عن طَلَب ما فيه خَيرٌ وما فيه فائِدَة؛ لأنَّهُم يُؤمِنُون بالقَضاءِ والقَدَر، ولا يَقُولون نَخاف من


الشرح

([1])  انظر: ((المنتظم)) لابن الجوزي (4/316)، ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (16/273)، و((السير)) (1/382).