وقال تَعالَى: ﴿فَأَمَّا
مَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٖ
رَّاضِيَةٖ ٧ وَأَمَّا مَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ
٨ فَأُمُّهُۥ هَاوِيَةٞ ٩﴾ [القارعة: 6- 9] ؛
يعني: مَوَازِينُ أَعمالِه، فتُوضَع حَسناتُه فِي كِفَّة وسَيِّئَاتُه فِي كِفَّة،
فأيُّهُما رَجَح فإنَّه يَأخُذ جَزاءَهُ بمُوجَب ذَلِكَ من رُجْحَان الحَسَنات أو
رُجْحَان السَّيِّئات، وهذا من عدل الله أنَّه لا يظلم أحدًا، بل يُجازِي
الإِنسانُ بعَمَلهِ.
وهو مِيزانٌ
حقيقيٌّ.
والمُعتَزِلة
يَقُولُون: إنَّه مِيزانٌ غَيرُ حقِيقيٌّ، وإِنَّما معناه إِقامَة العَدلِ، فهُو
مِيزانٌ معنوِيٌّ، معناهُ العَدلِ بين العِبادِ!
وليسَ لَهُم دليلٌ
إلا عُقولُهم، فهم يُنكِرُونه لأنَّهم لم يَرَوا المِيزانَ، وهُم لا يُؤمِنُون
بالغَيبِ، وهَذِه آفَةُ الاعتِمادِ عَلَى العُقولِ؛ لأنَّ المُؤمِن لا يَعتَمِد
عَلَى عَقلِه، والعَقلُ دليلٌ؛ ولَكِنْ لا يَكُون هو كُلُّ شيءٍ، هناكَ أَشياءُ لا
يُدرِكُها العَقلُ، فالأُمورُ المُغَيَّبَة لا يُدرِكُها العَقلُ، فلا تحكِّم
عَقْلَك فيها، وإنَّما يُعتَمَد فيها عَلَى الدليل فحَسبُ، فهذا وَجْه إِنكارِهم
له، وعلى مَذهَبِهم الباطِلِ أنَّ الذي لا يُشاهِدُونه ولا يَرَونَه أنَّهُم
يُنكِرونه، أو يُؤَوِّلُونه بغَيرِ مَعناهُ.
وهم لا يُنكِرُون
لَفْظَ المِيزانِ؛ لأنَّه وَرَد فِي القُرآنِ كَمَا في قَولِه تَعالَى: ﴿وَٱلۡوَزۡنُ
يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ
٨ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ
خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا يَظۡلِمُونَ ٩﴾ [الأعراف: 8- 9].