وأمَّا المُنافِق
والمُرتَاب الَّذي عاش عَلَى الشَّكِّ فِي الدُّنيا - فإنَّه يَمُوت عَلَى
الشَّكِّ، فإذا سَأَلاه وقالا: «مَنْ رَبُّكَ»؟ قال: لا أدري، «مَا دِينُكَ»؟ قال:
لا أدري، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُون شَيئًا فَقُلْتُه، «مَن نَبِيُّكَ»؟ قال: لا
أدري.
لأنَّه فِي الدُّنيا
لم يُؤمِن بقَلْبِه، وإنَّما تَكلَّم بلِسَانِه، «سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ
شَيْئًا فَقُلْتُهُ»، قالها من باب المُجارَاة لَهُم، وهذا هو المُنافِق الذي يقول
ما يقولُه المُصَلُّون، ويُصَلِّي ويَصُوم، ولَكِنْ ليس فِي قَلْبه إيمانٌ،
وإنَّما يَفعَل هَذَا من باب المُدارَاة ومن باب التَّقِيَّة؛ لأَجلِ أن يَعِيشَ
مع المُسلِمين فحَسبُ وهو لم يُؤمِن بقَلبِه.
ولو كان فَصِيحًا
متعلِّمًا، يَحفَظ المُتونَ والأَسانِيد، فإنَّه فِي القَبْر يَتلَعْثَم ولا
يَستَطِيع أن يَتكَلَّم ويَغِيب عنه الجَوابُ ويقول: لا أَدرِي، ولَكِنْ سَمِعتُ
النَّاس يَقُولون شيئًا فقُلْتُه من غير أن أَعرِفَ هَذَا الشَّيءَ وأَعتَقِدَه،
فيُنادِي منادٍ: «أَنْ كَذَبَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا
لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ»، فيأتيه من حَرِّها وسَمُومها، ويُضَيَّق عَلَيهِ
قَبْرُه حتَّى تختلِفَ أَضلاَعُه - والعياذ بالله - ويُصبِحُ قَبْرُه حفرةً من
حُفَر النّار، فيقول: «يَا رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ»؛ لأنه يَعلَم أنَّه إذا
قامت السَّاعَة فما بَعدَها أَشَدُّ مِمَّا هو فيه، والعياذ بالله.
وهذا يُشِير إِلَيه
قَولُه تَعالَى: ﴿ يُثَبِّتُ
ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلۡقَوۡلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا
وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ ﴾ [إبراهيم: 27]، كما أنَّهم عاشُوا عَلَى القَولِ
الثَّابِتِ فِي الدُّنيَا، والإِيمانُ الصَّادِقُ فإنَّ الله يثبِّتُهُم فِي
القَبْرِ وعِندَ السُّؤالِ، ﴿وَيُضِلُّ ٱللَّهُ
ٱلظَّٰلِمِينَۚ﴾ [إبراهيم: 27]: فلا
يَستَطِيعون الإجابة.