×
شرح المَنظُومَةُ الحائِيَّة

فقد مَنَعَتْه المَلامَةُ وحَذَرُ المَسبَّة عَلَى قَومِه، ولقد جَاءَه الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وهو فِي سِياقِ المَوتِ، وقال له: «يَا عَمِّ، قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ»، وكان عِندَه أبو جهلٍ وعبد الله بنُ أبي أُمَيَّة، فقالا له: أَترغَبُ عن مِلَّة عبد المُطَّلِب؟! فأعاد عَلَيهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فأعادا عَلَيهِ، وقالا: أترغَبُ عن مِلَّة عبد المُطَّلِب؟! فقال: هو عَلَى مِلَّة عبد المُطَّلِب. ومات عَلَى ذَلِكَ وأبى أن يقول: لا إله إلاَّ الله، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» ([1])، فأَنزَل الله تَعالَى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسۡتَغۡفِرُواْ لِلۡمُشۡرِكِينَ وَلَوۡ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرۡبَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ [التوبة: 113]، ونَزَل فِي أبي طالِبٍ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ [القصص: 56].

فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَشفَع فِي إِخراجِه من النَّار؛ لأنَّه مُخَلَّد فِي النَّار كغَيرِه من الكُفَّار، ولَكِنْ يشفع فِي أن يخفِّف عنه العذابَ فحَسبُ، ويُجعَل فِي ضَحْضَاحٍ من نارٍ، وفِي أَخمُصِ قَدَميه جَمْرَتَانِ يَغلِي مِنهُما دِماغُه، فلا يَرى أنَّ أحدًا أَشَدَّ منه عذابًا ([2])، مع أنَّه أَخَفُّ أهل النَّار عذابًا.

فهَذِه الشَّفاعَات خاصَّة بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

أما الشَّفاعة فِي أَهلِ الكَبائِر فِي أن يَخرُجُوا من النَّار، أو ألاَّ يَدخُلوها، فهَذِه شَفاعَة عامَّة تَكُون للمَلائِكَة، وتكون للأَنبياءِ؛ وتكون


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1360)، ومسلم رقم (24).

([2])  أخرجه: البخاري رقم (3885) ومسلم رقم (210).