وَلَٰكِنَّ
ٱلظَّٰلِمِينَ بَِٔايَٰتِ ٱللَّهِ يَجۡحَدُونَ﴾ [الأنعام: 33]، فهم
لا يُكذِّبون الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ولكنْ حَمَلهم عَلَى مُخالَفَته
الجُحودُ، والكِبْرُ، والاستِكبارُ عن الحقِّ، والعصبِيَّة للبَاطِل؛ كما حَمَل
أبا طالِبٍ عمَّ الرَّسول صلى الله عليه وسلم، فقد اعْتَرَف بأنَّ الرَّسول عَلَى
الحقِّ، فقال:
وَلقَد عَلِمتُ بأنَّ دينَ
مُحمَّدٍ |
|
مِن خيرِ أَديانِ
البَرِيَّة دِينا |
فلمَّا لم يتَّبِعْه
ومات عَلَى مِلَّة عبد المطَّلب عَلَى الشِّرك صار من أهل النَّار، وهو يَعتَرِف
أنَّ دِينَ محمَّد صلى الله عليه وسلم حقٌّ، وقال:
لَولاَ المَلامَةُ أو حِذارُ مَسَبَّة
|
|
لَرأَيْتَنِي سَمحًا بِذَاكَ مُبِينًا ([1])
|
ما مَنَعه من
اتِّباع الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ الحَمِيَّةُ لدين آبَائِه وأَجدادِه،
فمَنعتْه الحَمِيَّة - والعياذ بالله - فمات عَلَى الكُفرِ، وهو يَعرِف أنَّ
محمَّدًا عَلَى الحقِّ، ويَعتَقِد هَذَا، فعلى مَذهَبِ الأَشاعِرَة يلزم أن يكون
مُؤمِنًا.
ولَيسَ الإِيمانُ هو
القَولُ باللِّسان فحَسبُ بدُونِ اعتِقادِ القَلبِ، كما تَقولُه الكرَّامِيَّة؛
لأنَّه عَلَى هَذَا القَولِ يكون المُنافِقُون مُؤمِنين! لأنَّهم يَعتَرِفون
بأَلسِنَتهم، ولَكِنَّهم يُنكِرون فِي قُلوبِهم، وقد حكم الله عَلَيهِم بأنَّهم
فِي الدَّرْك الأَسفلِ من النَّار تحت المُشرِكين، فقال: ﴿وَمِنَ ٱلنَّاسِ
مَن يَقُولُ﴾ يعني: يتلفَّظ، ﴿ءَامَنَّا
بِٱللَّهِ وَبِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ﴾ [البقرة: 8] يعني:
يتلفَّظون بأَلسِنَتهم.
وفِي الآيَةِ الأُخرَى يقول: ﴿يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ﴾ [آل عمران: 167].
([1]) انظر: ((البداية والنهاية)) (3/42)، و((سمط النجوم العوالي)) (1/394).