×
شرح المَنظُومَةُ الحائِيَّة

هذه مُهِمَّة الحفَّاظ، ويُسَمَّون: نُقَّاد المُتونِ والأَسانيدِ، مثل نُقَّاد الذَّهَب والفِضَّة، فالصَّيارِفة يَعرِفون الذَّهب الصَّحيح والفِضَّة الصَّحيحة من المُزيَّفة، من حِينِ يَسمَع صوتَ النَّقْد يقول لك: هَذَا مغشوش أو هَذَا غَيرُ مغشوش. فأَصحابُ الحَديثِ مِثلُهم، إذا ما سَمِع الحَديثَ وسَمِع سَنَده، يقول لك: هَذَا فيه كذا، أو فيه كذا. هَؤُلاءِ عُلَماء الرِّوَاية.

والآخَرُون عُلَماء الرِّوَاية والدِّرَاية، يعني: فُقهاءَ الحَديثِ الَّذين يَروُون الحَديثَ، ويَستَنبِطون منه الأَحكامَ، ويَذكُرون فِقهَ الحَديثِ؛ كالبُخاريِّ ومُسلمٍ ومالكٍ وأَحمَد، هَؤُلاءِ فُقَهاءُ الحَديثِ فَهُم حُفَّاظ وفُقَهاء.

وقد ضرب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مثلاً لهَؤُلاءِ وهَؤُلاءِ؛ فقال: «مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا: فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ: قَبِلَتِ الْمَاءَ؛ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ. وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ: أَمْسَكَتِ الْمَاءَ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ: فَشَرِبُوا، وَسَقَوْا، وَزَرَعُوا. وَأَصَابَتْ مِنْهَا طَائِفَةً أُخْرَى، إنَّما هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلَأً. فَذَلِكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ» ([1]).


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (79)، ومسلم رقم (2282).