قال: «وَإِنَّ
الْحَرَامَ بَيِّنٌ» وهو ما نصَّ اللهُ أو رسولُه على تحريمِه، مثل قولِهِ
تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ
الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾ [المائدة: 3]، إلى آخِرِ الآية، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ
الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ [الإسراء: 33] فاللهُ حرَّم قتلَ
الأنفسِ المعصومةِ بغيرِ حقٍّ، وقال تعالى: ﴿وَلاَ
تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سَبِيلاً ﴾ [الإسراء: 32]، قال: لا تَقْرَبوه، يعني اتركُوه واتركُوا
الوسائلَ التي تُقرِّبُ إليه، مثل النَّظرةِ والخلوةِ المُحَرَّمَين، و قال تعالى:
﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ
وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، فنصَّ على تحريمِ
الرِّبا، فما نصَّ اللهُ أو رسولُه على أنَّه حلالٌ يُؤخَذ، وما نصَّ على أنَّه
حرامٌ يُترَك، وليسَ هناك مجالٌ للتَّردُّدِ إلاَّ ممَّن في قلبِه زَيْغٌ أو هَوَى.
قال: «وَبَيْنَهُمَا
مُشْتَبِهَاتٌ» يعني: هناك أمورٌ مُشتبِهات بَيْنَ الحلالِ والحرامِ لا يدري
هل هي مِن الحَلالِ أو هي مِن الحَرام؛ لأنَّها تنازعَ فيها الأدلَّة، أدلَّة
تدُلُّ على أنَّها حَلال، وأدلَّة تدُلُّ على أنَّها حرام؟ وهذا ممَّا اختلفَ فيه
العلماء، فبعضُهم أفتَى بجَوَازِه، وبعضُهم أفتَى بتحريمِه، نظرًا لأنَّ كلَّ
واحدٍ منهم رجَّح جانبًا من الدَّليل. فهذا مُشتبِه لا يُدرَى هل هو من الحَلالِ
أو هو من الحرام؟ فإنَّه يترك من بابِ الاحتياطِ والتَّورُّع حتَّى يَتبيَّن
أمرُه، فإنْ تبيَّن أنَّه حرامٌ يُترَك نِهائيًّا، وإن تبيَّنَ أنَّه حلالٌ أُخِذ،
أمَّا ما لم يَتَبيَّن وهو مُشتبِه فإنَّ الوَرعَ والاحتياطَ تَرْكُ هذا الشَّيء.
قال: «لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ»؛ لأنَّ أكثرَ النَّاسِ جُهَّال، لا يعرفون طريقَ الاستدلالِ والتَّرجيح، ونوعَ الأدلَّة، ونوعَ الاستدلال،