قوله: «لاَ يَعْلَمُهُنَّ
كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ» دلَّ على أنَّ القليلَ من النَّاس يعلمُهنّ، وهم
الرَّاسخون في العِلم، يَعلمُون هذه المُشتبِهات، هل هي من الحَلاَل أو مِن
الحَرام؟ وذلك بما أنعَمَ اللهُ عليهم من العِلم والفَهم، ومعرفةِ قواعدِ
الاستدلالِ والتَّرجيح، فمن تبيَّن له أنَّها حلالٌ أخذَها، ومن تبيَّن له أنَّها
حرامٌ تركَها، ومن اشتبَه عليه الأمرُ فإنَّه يتوقَّف عنها، هذا هو الموقفُ من
المُشتبِهات؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ»
أي: جعل بينه وبينها وقايةً وهي التَّرْك «فَقَد اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ
وَعِرْضِهِ» أي: نزَّه دينَه من أنْ يتناولَ الحرام، ونزَّه عِرضَه أيضًا من
أنْ يتكلَّمَ النَّاسُ فيه.
فمَن تَرَك
المُشْتبِهات حصَل على هاتين الخَصْلَتَين:
بَرَاءةِ الدِّين،
يعني: طَهَارتِه ونزَاهَته.
وطَهَارةِ العِرْض.
وهاتان مَزِيَّتان
عَظِيمتان تُوجِبان على الإنسانِ ألاَّ يتعجَّل في الأمورِ حتَّى يَتبيَّن له أمرُها،
وإذا رأى النَّاسَ يختلفون فيها، فهذا يُفتِي بأنَّها حَلال، وهذا يُفتِي بأنَّها
حرام، توقَّفَ وابتعدَ عنها؛ لأنَّ الخِلافَ فيها دليلٌ على أنَّها مُشتبِهة.
قال: «وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ» إذا تسَاهَلت في المُشْتبهات وأخذتها. وقلت: ما دام فيها خِلاف فلا بأسَ فيها. فهذا يَجرُّك إلى أن تقعَ في الحَرَام؛ لأنَّك إذا تسَاهَلْتَ في المُشْتبِهات تَسَاهلْتَ في الحرامِ الصَّريح، وهذا خَطرٌ عظِيمٌ، فإذا تسَاهل الإنسانُ