×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 فيما اخْتُلِفَ فيه فإنُّه يتجرَّأُ على ما أجْمَعَ على تحريمِه، وأيضًا هو لم يَسْتبْرِئْ لدِينِه ولا لعِرضِه.

وهذا من الآفاتِ الموجودةِ في النَّاس الآن، فبعضُهم يقول: ما دام في ذلك خِلافٌ فليس عليَّ حرجٌ أنْ آخُذَ بأيِّ قولٍ شئت من الأقوال. نقول: لا، بل عليك أن تتحرَّى الحَلال؛ لأنَّ فِعلَك هذا قد يَجرُّك إلى الوقوعِ في الحَرام، ولا تَستبرئ لدينِك ولا لعِرضِك، والخِلافُ لا يُسوِّغُ لك الوقوعَ في هذا الشَّيء.

فالإنسانُ إذا أراد أن يمُرَّ من طريقٍ لا يدرِي هل هو آمِن وخالٍ من قُطَّاعِ الطُّرُقِ ومن السِّباعِ أم لا؟ فإنَّه يتجنَّبُه لاشْتِباه أمرُه عليه، واحتمالِ أنْ يكونَ غيرَ آمِن، وهذا في أمرٍ من أمورِ الدُّنيا، فكيفَ في أمرِ الدِّينِ الذي هو أعظم؟!

فهذا الحديثُ فيه إثباتُ الوَرعِ والاحتياط، وأنَّ الإنسانَ يَحسُنُ به أن يأخُذَ بالوَرعِ والاحتياط؛ لأنَّ ذلك أسْلمُ له وأبعدُ عن الزَّلل.

ثُمَّ ضرَب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مثلاً محسوسًا للذي يقَعُ في الشُّبُهات أنَّه قد يقَعُ في الحَرَام، فقال: «كَالرَّاعِي» راعي الغَنم «يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى»، والحِمى: الشَّيءُ الممنوعُ يُسمَّى حِمى، وكان من عادةِ قبائلِ العربِ إذا أخصبَ موضِعٌ من الأرضِ أنَّهم يَحمُون هذا المَرْعَى، فلا يَقْربه أحدٌ ليختَصُّوا به، ليكونَ لمواشِيهم. فإذا جاء مَن يَرعَى بغنمِه حولَ هذا الحِمى، فإنَّه لا يَستطيعُ أن يمنعَ انفلاتِ بعضِ غَنمِه إلاَّ ذلك الحِمى، فرُبَّما تَنْفَلِتُ واحدةٌ أو أكثر فتقَعُ في الحِمى، فيتعرَّض لعقوبةِ صاحبِ


الشرح