قال: «أَلاَ وَإِنَّ فِي
الْجَسَدِ مُضْغَةً» يعني: قِطْعة لَحم صَغيرةً، «إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ
الْجَسَدُ كُلُّهُ» صَلَحَت بخَوْفِ الله، وخَشْيتِه، وتقواه، ومحبَّته، «وَإِذَا
فَسَدَتْ» فلم تَخْشَ الله، ولم تَخَفْ منه، ولم تُحبّه، فإنَّ الجسدَ يَفسُد؛
لأنَّ القلبَ هو ملكُ الجَسَد، وإذا صَلح الملِكُ صَلَحت الرَّعيَّة، وإذا فسَد
الملِكُ فسَدَت الرَّعيَّة. فعلى المسلمِ أنْ يسألَ اللهَ صلاحَ قلبِه؛ لأنَّه إذا
صلَح قلبُه صَلَحت أمورُه كلُّها، وإذا فسَد قلبُه فسَدَتْ أمورُه كلُّها.
ولهذا كان النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم يُكثِرُ من قول: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، وَالأَبْصَارَ،
ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، فَتَقُولُ لَهُ عَائِشَةُ رضي الله عنها في
ذلك، فيقول لها: «يَا عَائِشَةُ، وَمَا يُؤَمِّنُنِي وَقُلُوبُ الْعِبَادِ
بَيْنَ إِصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ؟ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَلِّبَ
قَلْبَ عَبْدٍ قَلَّبَهُ»([1])، فالقلوبُ بيدِ
اللهِ عز وجل.
فعلى الإنسانِ أنْ يسألَ اللهَ أن يهديَ قلبَه، وعليه أيضًا أنْ يتجنَّبَ ما يُفسِدُ القلب؛ لأنَّ القلبَ يُفسِدُ بالشُّبُهات والمعاصي وبأكلِ الحَرَام، فالمعاصي بجَميعِ أنواعِها تُفسِد القلوب: النَّظَر إلى الحَرَام، واستماعُ الحَرَام، كلُّ هذا يُفسِدُ القلب، فإذا نظرَ الإنسانُ إلى الحَرامِ فَسَد قلبُه، وإذا استمَع إلى الغناءِ والمَزَامير وآلاتِ اللَّهْو فسَد قلبُه، وإذا وقَعَ في المعاصي فسَد قلبُه، وإذا أكَلَ الحرامَ فسَد قلبُه، فالإنسانُ يعمَلُ الأسبابَ التي يَصلُحُ بها قلبُه، أمَّا حصولُ الصَّلاحِ فهو بيدِ الله جل وعلا.
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (2140)، وابن ماجه رقم (199)، وأحمد رقم (6569)، وابن حبان رقم (902).
الصفحة 6 / 276