ناصحًا فيما بينَك
وبينَ الله سبحانه وتعالى، وذلك بأنْ تعبُدَه حقَّ عبادتِه، وتُؤمنَ به إيمانًا
كاملاً، فتُؤمنَ بتوحيدِ الرُّبوبيَّة، وتوحيدِ الأُلوهية، وتوحيدِ الأسماء
والصِّفات، وتؤمنَ بأقدارِه وأفعالِه، وأنَّه لا أحدَ يستحقّ العبادةَ غيرَه، ثمَّ
تُخلصَ العبادةَ له، هذه هي النَّصيحةُ بينَ العبدِ وبين ربِّه.
ويجِبُ أنْ تكونَ
النَّصيحةُ ظاهرًا وباطنًا، فالذي يُظهِرُ التَّوحيدَ ويُبطِنُ الشِّرك، أو يُظهِر
الإيمانَ ويُبطِنُ الكُفر، هذا مُنافِق، والمنافقُ شرٌّ من الكافرِ الخالِص؛
لقولِه تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي
الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 145]، لماذا؟ لأنّهم ﴿يُخَادِعُونَ
اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: 9]، وهذا أعظمُ
الخيانة.
أمَّا النَّاصحُ فهو الذي يَستوي ظاهِرُه وباطنُه مع الله أوَّلاً، فإذا قال: «لا إله إلاَّ الله» عمِل بذلك، فلا يَعبُدُ إلاَّ اللهَ عز وجل، ثمَّ يدعو النَّاسَ إلى معنى هذه الكلمةِ والعملِ بها، وإخلاصِ العبادةِ لله عز وجل، وليسَ المُرادُ القولَ باللِّسانِ فقط، فمَن كان يُكثِرُ من قولِ «لا إلهَ إلاَّ الله» ولا يَعتقِدُها ولا يعمَلُ بمُقتَضَاها فهو مُنَافق، والنِّفَاق: هو إظهارُ الخيرِ وإبطانُ الشَّرِّ، فالذي يُظهِرُ الخيرَ للنَّاسِ ولكنَّه يُبطِنُ خِلافَه منافق، والنِّفاقُ أشدُّ من الكفرِ والعياذُ بالله؛ لأنَّ الكافرَ صرَّح بكُفرِه وعرَّفَه النَّاس، وأخذُوا حِذرَهم منه، أمَّا المُنافقُ فإنَّه يُخادِعُ المسلمين، ويَظنُّونه منهم، وهو عدوٌّ لهم، يَخونُهم، ويتربَّصُ بهم الدَّوائر، ويَلتمِسُ لهم النَّقائصَ والعيوبَ ويُنمِّيها ويَنشُرها، فإذا جاءَتِ الشَّدائدُ على المسلمين ظهرَ نِفاقُه وكُفرُه، وانحازَ إلى أعداءِ المسلمين، أمَّا إذا جاء الرَّخاءُ