فبذلِك يَستريحُ ويُريحُ النَّاسَ أيضًا، فلو
أنَّ النَّاسَ سلكُوا هذا المَسْلكَ العظيمَ لحصَل الوِئامُ والوِفاقُ والمَحبَّة،
ولكن يأتي بعضُ الفُضُولِيين فيتدخَّلُ في أشياءَ ليسَتْ من اختصاصِه، وليسَ
مُكلَّفًا بالبَحْث فيها، فيَسألُ أسْئلةً كَثيرةً لا يحتاجُ إليها، مثل: البَحثِ
في الوَقائِعِ والحَوادثِ التي وَقَعَت، وهو ليسَ مُؤهَّلاً أو ليسَ مُكلَّفًا،
إمَّا أنَّه ليسَ مُؤهَّلاً لإدراكِ أحكامِها ومقاصِدِها، أو أنَّه مُؤهَّل
ولكنَّه غيرُ مُكلَّف بهذا الشَّيء، وكان ذلك الشَّيءُ خَاصًّا بأهلِ الحلِّ
والعَقْد.
ومن ذلك ما يدورُ بين الشَّبابِ وبينَ كثيرٍ من النَّاسِ في المجالِسِ من تَناوُلِ أمورٍ تَحدُث وتَحتاجُ إلى نَظرٍ مِن قِبَلِ وُلاةِ الأُمُورِ والعلماءِ وأهلِ الشَّأن، ثمَّ يتدخَّل فيها من لا يُحسِنُها وليسَ مُكلَّفًا بالدُّخولِ فيها، والدُّخولُ فيها يُفضِي إلى حُدوثِ بَلْبَلةٍ وسُوءِ فَهْم، أو يُشيعُ المَحظورَ بينَ النَّاس، وكانَ المفروضُ أنَّه يُستَر، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ﴾ [النساء: 83]، أي نَشَروه ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ﴾ الردُّ إلى الرَّسولِ في حياتِه الرَّدُّ إليه شَخْصيًّا، أمَّا بعدَ وفاتِه فإنَّ الرَّدَّ يكونُ إلى سُنَّتِه، وهذا من شَأنِ العُلماءِ هم الَّذين يُحسِنون الرَّدَّ إلي سُنَّة الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، ﴿وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ﴾ من العُلماءِ ومنَ السَّاسةِ والقَادةِ وأصحابِ السِّياسةِ الذين يُمارِسون هذه الأشياء، ويُصدِرُون فيها عن رَأي، ويكونُ لتَدخُّلِهم فيها فائدةٌ وحُلول. أمَّا الإنسانُ العاديُّ الَّذي ليسَ مُؤهَّلاً ولا مُكلَّفًا فإنَّ دُخولَه فيها يُفسِدُها، ويُحدِثُ التَّشكِيكَ بينَ النَّاسِ في أقوالِ أهْلِ العِلم، وأهلِ الرَّأي، وأهلِ المَشُورَة، وقد يَخُوضُ