×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

الحديث السادس عشر 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَوْصِنِي، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ»، فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ». رواه البخاري([1]).

 

الغَضبُ والرِّضا خَصْلتان وسَجيَّتان طُبِع عليهما الإنسانُ لفائدةٍ ومَصْلحة، فالَّذي لا يَغْضَب يكونُ ناقصًا، لكن لا بدَّ أنْ يستعمِلَ الغضبَ في محلِّه، فإنْ تجاوَز محلَّه ضرَّ، فالغَضَب نَقيضُ الرِّضا، وهو سَجيَّة وخَصْلةٌ مَطبُوعٌ عليها الإنسانُ يَنتُجُ عنها في الإنسانِ غَليانُ الدَّمِ في القلبِ وانتفاخُ الأوْدَاج، ممَّا يُؤدِّي بِصاحبِه إلى إرادةِ الانتقامِ مِمَّن غَضِبَ عليه.

وما منَّا أحدٌ لا يَغضَب، لكنَّ العاقِلَ والمؤمنَ يتصرَّفُ في غَضبِه ولا يُنفِذُه، وأمَّا الأَحْمقُ والجَاهلُ فقَد يَحمِلُه الغَضَبُ على أشياءَ مَذْمُومة؛ كالقَتْل، والجَرْح، أو الكلامِ السَّيِّئ، أو قطيعةِ الرَّحِم، فالغَضبُ يَحمِلُ الإنسانَ على مهَالِكَ إلاَّ إذا اسْتَعْمَلَه استعمالاً حَسنًا في مَحلِّه فإنَّه يَسْلَمُ من شرِّه.

وهذا الرَّجلُ طلَب من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُوصِيه بوصيَّةٍ تَنْفعُه، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَغْضَبْ». كأنَّ الرَّجلَ استقلَّ هذه الوصيَّة؛ لذلك كرَّر على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفي كلِّ مرَّةٍ يقولُ له: «لاَ تَغْضَبْ» ولم يزِدْ على ذلك، فما الحِكمة؟


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6116).