×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

قال بعضُ أهلٍِ العِلم: لعلَّ هذا الرَّجلَ كان معروفًا بالغَضَب، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُجيبُ كلَّ إنسانٍ بحَسبِ حاجتِه، فأوْصَاه الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم وخصَّه بهذه الوَصيَّةِ لعلمِه بحالِه، وهي وصيَّةٌ له ولغيرِه، فكلُّ إنسانٍ مطلوبٌ منه ألاَّ يَغضَب؛ لمَا يترتَّبُ على الغَضبِ من الأضْرَار، ما منَّا أحدٌ لا يجِدُ في نفسِه شيئًا من الغَضَب، ولكنَّ الإنسانَ المؤمنَ العاقلَ يأخذُ بالحِلم؛ لأنَّ اللهَ جل وعلا يقولُ في صفاتِ المؤمنين: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37]، لم يقُلْ: لا يَغْضَبون، بل قال: ﴿وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ فيَغفِر الإنسانُ ويَحلُم، هذا هو المطلوب.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ» يعني: القَويُّ الذي يَصرَعُ النَّاسَ هذا ليسَ شديدًا، «الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ»([1])، هذا هو الشَّديدُ القويُّ الذي يَملِكُ نفسَه عند الغضب، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كان يغضَبُ لكنَّه لا يُنفِّذ، إلاَّ إذا كان الغَضبُ للهِ عز وجل، فكان صلى الله عليه وسلم حليمًا لا يَنتقِمُ لنفسِه أبدًا، رَغْم ما لاقى من الأذى من النَّاس، أمَّا إذا انتُهِكت محارمُ الله جل وعلا فإنَّه يغضَب للهِ لا لنفسِه؛ وهكذا المؤمنُ يَقْتَدي بالرَّسولِ صلى الله عليه وسلم لا يَغضَبُ لنَفْسِه، بل يَحلُم ويَغفِر ويُحسِنُ إلى مَن أَغْضَبه؛ لقولِهِ تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40]، فهذا هو عِلاجُ الغَضَب:

أولاً: مهما أمكَن أنَّك لا تَغضَب.

ثانيًا: إذا غضِبْتَ فلا تُنفِّذ، بل عليك بالصَّبْرِ والتَّحمُّل والحِلم.


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (6114)، ومسلم رقم (2609).