تفسيرِ القرآنِ، حتَّى لُقِّبَ بتُرجُمانِ
القُرآنِ وحَبرِ الأمَّةِ رضي الله عنه، وكان طِفلاً صَغيرًا في عَهْدِ النَّبيِّ
صلى الله عليه وسلم، تُوفيِّ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم وهوَ لم يَبلُغِ
الحُلُمَ، ومع هذا أعطاهُ اللهُ هذا العِلمَ الغَزيرَ، وهذا الفَهْمَ العظيمَ
ببَرَكَةِ دعوةِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه
وسلم: «يَا غُلاَمُ» الغلامُ هو الصَّغيرُ، وهذا فيه دَليلٌ على
العِنايةِ بالصِّغارِ، وتَوجِيهِهِم، «إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ»
كلماتٍ: يعني يسيرةً، لكنّها كلماتٌ جوامِعُ؛ لأنَّ كلماتِ الرَّسولِ صلى الله
عليه وسلم ليسَتْ ككَلماتِ غيرِه، وهذا فيه أنَّ العِلمَ يُؤخَذُ شَيئًا فشَيئًا،
يُؤخَذُ كلماتٍ يسيرةً أوَّلَ شَيءِ، ثمَّ يَنمو ويزدادُ، وليس يُؤخَذُ العِلْمُ
دُفْعةً واحِدةً.
قالَ: «احْفَظِ اللهَ
يَحْفَظْكَ» احفظِ اللهَ: يعني احفظْ دِينَه؛ احفظِ اللهَ بِفعْلِ أوامرِه
وتَركِ نواهِيه، واحفظْ محارمَ اللهِ باجْتِنابِها، هذا حِفظُ اللهِ؛ لأنَّ اللهَ
جل وعلا لا يَحتاجُ إلى حِفظٍ هو الَّذي يَحفَظُ النَّاسَ، ويَحفَظُ الخَلقَ
والكَوْنَ، إنَّما المُرادُ أنَّه يَحفَظُ دِينَ اللهِ جل وعلا.
قوْلُه: «احْفَظِ
اللهَ» هذا مِن قِبَلِ العبدِ «يَحْفَظْكَ» هذا مِن قِبلِ اللهِ، فهو
جزاءٌ، والجَزاءُ من جِنس العَملِ، فإذا حَفظْتَ اللهَ فإنَّ اللهَ يَحفَظُك ممَّا
تَكره في دِينِك ودُنيَاك، فهذهِ ثَمرَةُ حِفظِ اللهِ وحِفظِ أوامرِه ونواهِيه.
ثمَّ قالَ صلى الله
عليه وسلم: «احْفَظِ اللهَ» هذا تأكيدٌ، «تَجِدْهُ تُجَاهَكَ» الأولى، «يَحْفَظْكَ»،
وهذه «تَجِدْهُ تُجَاهَكَ»، يعني: أمامَكَ، وفي رِوايةٍ: «تَجِدْهُ
أَمَامَكَ» بمعنى أنَّ اللهَ جل وعلا قريبٌ من عبادِه سبحانه وتعالى، وأيضًا
هو جل وعلا يُبادِرُ إلى مَثوبَةِ عبادِه، كما في الحَديثِ «مَنْ تَقَرَّبَ
إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ