هذا حديثٌ عظيمٌ يرويهِ النَّبيُّ صلى الله
عليه وسلم عَن ربِّهِ، وهو ما يُسَمَّى بالحديثِ القُدْسِيِّ، نِسبَةً إلى
القُدْسِ، وهُوَ الطُّهْرُ؛ لأنَّ الحديثَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
الأوَّلُ: حديثٌ قُدْسيٌّ،
وهوَ ما كانَ مِن كلامِ اللهِ سُبحانَه لَفْظُهُ وَمَعناهُ.
الثَّاني: حديثٌ نَبويٌّ، وهوَ
ما كانَ مِن كلامِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم.
فالحديثُ القُدْسيُّ
لَفظُه ومَعناهُ منَ اللهِ، ويَرويهِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَن ربِّهِ،
بِلَفْظِه ومعناهُ، وأمَّا الحديثُ النَّبويُّ فمَعناهُ منَ اللهِ، أي: هو وَحْيٌ
منَ اللهِ، ولَفظُه منَ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم.
ففِي هذا الحديثِ
أمورٌ عظيمةٌ:
قوْلُه - سُبحانَه: «يَا
عِبَادِي» وتَكرارُ ذلكَ معَ كلِّ فَقرةٍ من فَقراتِ الحديثِ يدُلُّ على
تَلطُّفِ اللهِ جل وعلا بعِبَادِه، ورَأْفَتِه بهم، فإنَّه غَنِيٌّ عنهم، ومعَ
ذلكَ يَدعُوهم، ويُؤكِّدُ عليهِم؛ لأجْلِ مَصْلَحَتِهم.
والعِبادُ: جَمعُ عَبدٍ،
والعُبُوديَّةُ: هيَ التَّذلَّلُ والخُضوعُ للهِ سبحانه وتعالى، فكُلُّ النَّاسِ
مُؤمِنُهم وكافِرُهم، وجِنُّهم وإنسُهم، ومَلائِكَتُهم، كلُّ الخَلْقِ عبادٌ للهِ
بالمَعنى العامِّ، كلُّهُم عبادٌ للهِ مَمْلُوكون له، يَتصرَّفُ فيهم، مَخلُوقُون
للهِ، لا أَحَدَ يخرجُ عن هذا، قال تعالى: ﴿إِنْ
كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا ﴾ [مريم: 93]، وهذه عُبوديَّة قَهْرٌ واضطرارٌ، لا أحَدَ يخرجُ
عنها، تَجرِي عليهم أقْدارُ اللهِ وقضاؤُه.
النَّوعُ الثَّاني: عُبوديَّةٌ خاصَّةٌ، وهيَ عُبوديَّةُ الاختِيارِ، وتكونُ بطاعةِ اللهِ تَعالى والانقيادِ له، وهيَ باختِيارِ العبدِ إن شاءَ فَعَلَها وإنْ شَاءَ