×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

قالَ: «وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ» أي: ممَّا زادَ عَن حاجَتِهم، وهذه فَضيلةٌ يَتميَّزُ بها الأغنياءُ عنِ الفقراءِ، وهذا فيهِ دليلٌ على أنَّ الأغنياءَ يُستحَبُّ لهم أنْ يُنفِقُوا مِن أموالِهم ويُوسِّعوا على النَّاسِ بما وَسَّعَ اللهُ عَلَيهم، كما قال تعالى: في حقِّ قَارونَ: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: 77]، يعني: أحْسِنْ إلى النَّاسِ بالصَّدقاتِ كمَا أحْسَنَ اللهُ إليكَ بالمَالِ، واللهُ جل وعلا يقول: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 254]، وقالَ: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ [الحديد: 7]، فليسَ المَقصودُ أنْ يَجمَعَ الإنسانُ المالَ، ولا يُعطي منهُ شَيئًا، هذا يكونُ كالمُستودَعِ الَّذي تُجمَّعُ فيه الأموالُ ولا يَنتَفِعُ بها، ويكونُ حارِسًا لها، ولا يُقدِّمُ لنَفْسِه منها شَيئًا، وهو ليسَ له مِن هذا المالِ إلاَّ ما قدَّمَ، قليلاً كانَ أو كَثيرًا، هذا هو مالُه، وأمَّا ما لم يُقدِّمْ فإنَّه مالُ غيرِه، والفقيرُ ليسَ عندَه مال فَمِن أينَ يَتصَدَّقُ؟

لذلكَ شَكا الفُقراءُ مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم هذا، وهذَا فيهِ دليلٌ على أنَّ المُسلمَ يَنبغي أنْ يَحرِصَ على فِعْلِ الخَيرِ، وأنْ يَندَمَ إذا لم يَتمكَّنْ مِن فِعْلِ الخَيرِ فإنَّه يُؤْجَرُ على نَدَمِه؛ كالَّذي يَرَى الغَنيَّ يَتصدَّقُ ويَتمنَّى أنْ يكونَ عندَه مالٌ ويَتصدَّقُ مِثْلَه، وقد جاءَ في الحديثِ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قالَ: «مَثَلُ هَذِهِ الأُْمَّةِ كَمَثَلِ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي مَالِهِ يُنْفِقُهُ فِي حَقِّهِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يُؤْتِهِ مَالاً، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ هَذَا عَمِلْتُ فِيهِ مِثْلَ الَّذِي يَعْمَلُ»،


الشرح