×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 كلٌّ منهُما عَنِ الآخَرِ، وألَّفْتَ بينَ قلوبِهما هذه صدقةٌ عظيمةٌ، قال تعالى: ﴿لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 114]، فهذا فيهِ: أنَّ الإنسانَ يَنبَغي لهُ أنْ يَحرِصَ على الصُّلح بينَ المُتخاصِميْنِ والمُتنازِعيْنِ لا سيَّما الأقاربِ، ولا يَترُكُ النَّاسَ يَتنازَعون.

وبعضُ النَّاسِ علَى العَكْسِ - والعياذُ باللهِ - يَتدخَّلُ في النِّزاعِ بما يَزيدُه ويُحرِّضُ أحدُهما على الآخَرِ، فهذا شَيطانٌ، أمَّا المسلمُ فإنَّه لا يَرضَى أن يَتخاصَمَ المسلمونَ ويَتنازَعوا، بل يُحاوِلُ الإصلاحَ وتَسويَةَ النِّزاعِ حتَّى رُبَّما يَتحمَّلُ مِن مالِه ليُصلِحَ بينَهم، وهذه خَصْلةٌ عظيمةٌ، واللهُ جل وعلا لا يُضيعُ أجرَ المُصلحينَ.

قولُه: «تَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ» فالَّذي يُريدُ أنْ يُصلِحَ يَجبُ عليهِ أنْ يَعدِلَ ولا يَحيفَ ويَجورَ على أحَدِهما، ولا يَحكُمَ بينهُما بالهَوَى، ويكونَ الاثنانِ عندَه سواءً، كلاهُما أخوهُ، قالَ سبحانه وتعالى: ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات: 9]، والصُّلحُ إنَّما هو عَن تَراضٍ، فلا يُجبَرُ أَحدُهما عليه، بخِلافِ القَضاءِ، فإنَّ للقاضِي أنْ يُلزِمَ المَقضيَّ عليه بالتَّنفيذِ، أمَّا الصُّلحُ فهوَ جائِزٌ بينَ المُسلمينَ وليسَ إلزاميًّا.

ثمَّ قالَ صلى الله عليه وسلم: «وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ» يعني في مَرْكُوبِه، سواءً كانتْ دابّةً أو سيّارةً، تُعينُه إذا كان عاجزًا أو ضعيفًا، فتحمِلُه أو تَرفَعُه عليها، أو تَرفعُ مَتاعَهُ الذي معه على الدَّابَّةِ أو على السَّيارةِ، تُساعِدُ على حَمْلِه


الشرح