الخُلقِ هوَ أعظَمُ أنواعِ البِرِّ؛ كقوْلِه صلى
الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةُ»([1]) الوُقوفُ بعرفَةَ ليس هو كلَّ الحجِّ، ولكنَّه
أعظَمُ أركانِ الحجِّ، ومِثْلُ قولِه صلى الله عليه وسلم: «الدُّعَاءُ هُوَ
الْعِبَادَةُ»([2]) معَ أنَّ الدُّعاءَ نَوعٌ من أنواعِ العِبادةِ،
ولكنَّه أعظَمُ أنواعِ العِبادةِ، فحُسنُ الخُلقِ نَوعٌ عظيمٌ من أنواعِ الِبرِّ.
و«حُسْنُ
الْخُلُقِ» معناهُ سَعَةُ البالِ والبَشاشةِ في الاستِقبالِ، والتَّعامُلُ مع
النَّاسِ بمُعامَلةٍ طيِّبةٍ، كما قالَ صلى الله عليه وسلم: «وَخَالِقِ
النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» وهذه صفةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال اللهُ
جل وعلا: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ
عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فحُسنُ الخُلقِ يَشتمِلُ على خَيراتٍ كثيرةٍ،
ويُكسِبُ مَحبَّةَ النَّاسِ لصاحِبِ الخُلقِ الحَسنِ، وأيضًا إذا كانَ الدَّاعيةُ
ذا خُلقٍ حَسنٍ أدَّى ذلكَ إلى هِدايةِ النَّاسِ بقَبولِ دَعوَتِه، وهذا هو أعظَمُ
أنواعِ البِرِّ.
قالَ: «وَالإِْثْمُ» هوَ ضِدُّ البِرِّ، ما يُؤثَمُ منَ الأَخلاقِ والأعمالِ والأقوالِ، «مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ» يعني طَرَأَ على النَّفْسِ، وحدَّثَتْ به النَّفْسُ لكنَّ صاحبَه يَكرَهُه، وفي الرِّوايَةِ الأُخرى: «وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ»، فإذا كانَ صاحِبُه يَترَدَّدُ هل يُصرِّحُ به أو لا يُصرِّحُ؟ دلَّ على أنَّه إِثْمٌ، والمُرادُ بالنَّفسِ هنا: نَفْسُ المُؤمِنِ التَّقيِّ، أمَّا الفاجِرُ فهو ليسَ مِيزانًا للبِرِّ والإِثْمِ، إنَّما المَقصودُ المسلمُ التّقيُّ الَّذي يُعتبَرُ استِحسانُه للشَّيءِ أو اسْتِقباحُه له، فالَّذي تَكْرَهُ أنْ تُصرِّحَ به، وتَكْرَهُ أنْ يَطَّلِعَ عليه النَّاسُ،
([1]) أخرجه: الترمذي رقم (889)، والنسائي رقم (3016)، وابن ماجه رقم (3015)، وأحمد في المسند (18774).