هذا دَليلٌ على أنَّه إِثْمٌ،
فاتْرُكْه وتَجنَّبْه، فتكونُ نَفْسُ المُؤمنِ مقياسًا ومِيزانًا.
فهذا أصْلٌ عظيمٌ،
وهذا الحديثُ من جوامِعِ الكَلمِ الَّتي أُوتِيَها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم،
وجوامِعُ الكلمِ: جمعُ جامعٍ، وهوَ ما يَجمَعُ معانيَ كثيرةً، وهذهِ صفةُ كلامِه
صلى الله عليه وسلم.
وفي حديثِ وَابِصةَ
بنِ معبدٍ أنَّه جاءَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُريدُ أن يَسألَه،
فالنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ابتَدَرهُ وقالَ لهُ: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ
الْبِرِّ؟» وفي رِوايةٍ قالَ: «أُخْبِرُكَ أَوْ تَسْأَلُنِي؟» قالَ
وَابصةُ: لا بل أخْبِرْني، فقالَ: «جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإِْثْمِ»،
وهذا من علاماتِ النُّبوَّة، أنْ يُطْلِعَه اللهُ عز وجل على ما جاءَ مِن أجْلِه
وابصةُ قبلَ أنْ يَسأَلَه، ثُمَّ بَيَّنَ له صلى الله عليه وسلم أنَّ «الْبِرُّ
مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ»
والطُّمأنِينةُ: ضِدُّ القَلقِ والاضْطرابِ، وهيَ الاستِقرارُ وعدمُ التَّسرُّعِ
أو القَلقِ، فالمُطمئنُّ هو الثَّابتُ، وضِدُّه المُضطَّربُ القَلِقُ، «مَا
اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ» يعني:
قَلْبُ المؤمنِ ونَفسُ المؤمنِ.
قال: «وَالإِْثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ»، وفي الرِّوايةِ الأُخرَى: «وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ»، فالإثْمُ يَحصُلُ في نَفْسِك ولكن لا تَجْرؤُ أنْ تُظْهِرَه، لو كانَ بِرًّا ما تَردَّدتَ في الإعلانِ به، فتَردُّدُك دليلٌ على أنَّه إِثْمٌ؛ لأنَّ اللهَ جَعلَ في نَفسِ المؤمنِ نُورًا ومَعرفةً بالخيرِ والشَّرِّ، قال تعالى: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾ [الأنفال: 29]، الفُرقانُ: هوَ التَّمييزُ بينَ الخيرِ والشَّرِّ، والضَّارُّ والنَّافعُ، هذا هوَ الفُرقانُ، فنَفسُ المُؤمنِ يَجعلُ اللهُ فيها فُرقانًا تُمَيِّزُ به بَينَ الخَيرِ والشَّرِّ.