مُسلمٍ يُريدُ دُخولَ الجنَّةِ والنَّجاةَ منَ
النَّارِ، ولكن ما الطَّريقُ؟ لذلك سألَ مُعاذٌ رضي الله عنه النَّبيَّ صلى الله عليه
وسلم؛ لأنَّ الإنسانَ ليسَ باستِطاعَتِه أنْ يَعرِفَ طريقَ الجنَّةِ منْ طريقِ
النَّارِ إلاَّ مِن ناحيَةِ الوَحْي المُنزَّلِ على الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم،
واللهُ سُبحانه لمْ يَكِلْنا إلى عُقُولِنا وتَفكيرِنا وتَصوُّراتِنا وإنَّما
أَرسَلَ هذا الرَّسولَ، وأَنزلَ هذا الكِتابَ؛ مِن أجْلِ أنْ يُبيِّنَ لنا طَريقَ
الجنَّةِ وطَريقَ النَّارِ.
وفي هذا دَليلٌ على
وُجوبِ سُؤالِ أهْلِ العِلمِ عَن أُمورِ الدِّينِ؛ لأنَّها لا يُسأَلُ عنها غيرُ
العُلماءِ، لا يُسأَلُ عَنها الأَطبَّاءُ والمُهندسُون، فأمْرُ الدِّينِ ليسَ من
مَدارِكِ العُقولِ، وإنَّما هو بالوَحْي المُنزَّلِ.
قوْلُه: «أَخْبِرْنِي
بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّار» هذا ما يُريدُه
كُلُّ مُسلمٍ، فدَلَّ على أنَّ الجَنَّةَ لا تُدخَلُ إلاَّ بعَمَلٍ، والنَّارُ
أيضًا تُدخَلُ بعَملٍ، فعَمَلُ الخَيرِ يُدخِلُ الجنَّةَ، وعمَلُ الشَّرِّ يُدخِلُ
النَّارَ، فلا أحَدَ يَدخُلُ الجنَّةَ أو النَّارَ بِدون عمَلٍ.
قولُه صلى الله عليه
وسلم: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ» عظَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه
وسلم هذا المَسؤولَ عنه؛ مِن أجْلِ أن يُنبِّهَ السَّامعينَ والقارِئينَ إلى
عِظَمِ هذا الأمْرِ حتَّى يَهتمُّوا به.
قولُه: «وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ» مع عِظَمهِ فإنَّه يَسيرٌ على مَن يسَّرهُ اللهُ عليه؛ لأنَّ الدِّينَ - وللهِ الحمدُ - دِينٌ سمْحٌ، لا حَرجَ فيه، ولا مَشقَّةَ، وإنَّما هو دِينٌ يَتمشَّى معَ قُدراتِ الإنسانِ مِن غيرِ تَكلُّفٍ، ومِن غيرِ تَساهُلٍ وتَضييعٍ، فهو طريقٌ سهلٌ لكن على مَن يسَّرهُ