×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 اللهُ عليهِ، أمَّا مَن لم يُيسِّرْه اللهُ عليهِ فهُوَ صَعبٌ؛ ولذلكَ الطَّاعاتُ أشقُّ ما تكونُ على نُفُوسِ الكُسَالى، قال تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ [البقرة: 45] يعني: الصلاةَ ﴿إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ [البقرة: 45]، فالصّلاةُ على الخاشِعينَ تكونُ قرَّةَ أعْيُنِهم وسَهلةً علَيْهم، وأمَّا المُتكاسِلُون فتكونُ ثَقيلةً وكَبيرةً عَليهم، مع أنَّها ركعاتٌ لا تَستَغْرقُ وَقْتًا طَويلاً، ولكنَّها تَشقُّ عليهم.

وكذلكَ سائرُ الطَّاعاتِ، فإنفاقُ المالِ - مثلاً - يَصعُبُ على مَن ليس عندهُ إيمانٌ، لكنَّ أهْلَ الخَيرِ والإيمانِ يَسهلُ عليهم ذلك، فيُنفِقونَه على مَحبَّتِه طاعةً للهِ سبحانه وتعالى. وكذلك حالُهم في سائرِ الأعمالِ.

قولُه صلى الله عليه وسلم: «تَعْبُدُ اللهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» هذا الأصْلُ: تَعبدُ اللهَ ولا تُشركُ به شَيئًا، هذا هو التَّوحيدُ، لم يَكتَفِ بقَوْلِه: «تَعْبُدُ اللهَ»، بل قالَ: «وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»؛ كقَوْلِه تعالى ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا [النساء: 36]؛ لأنَّ العبادةَ لا تَصحُّ ولا تُقبَلُ إلاَّ مع الإخْلاصِ، فإذا داخَلَها الشِّركُ فإنَّها تَبطُلُ ولا تَنفَعُ صاحبَها، ولا يقبلها اللهُ سبحانه وتعالى فالمُشرِكُ لا يُقبَلُ منه عَمَلٌ، وكلُّ عَملٍ خالَطَهُ شِركٌ فإنَّ اللهَ لا يَقبَلُه.

قوْلُه: «وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ» هذا هو الرُّكْنُ الثَّاني، تُقيمُ الصَّلاةَ الَّتي هيَ عَمودُ الإسلامِ، والمُرادُ بالصَّلاةِ: الصَّلواتُ الخَمسُ، وقالَ: تُقيمُها، ولم يَقُلْ: تُصلِّي؛ لأنَّ المَطلوبَ إقامةُ الصَّلاةِ لا شَكْلَ الصَّلاةِ، وإنَّما الصَّلاةُ القائمَةُ المُشتمِلَةُ على أركانِها وشُروطِها وواجباتِها وسُننِها، هذه هيَ الصَّلاةُ القائِمَةُ، أمَّا الصَّلاةُ الَّتي تَختَلُّ فيها الأركانُ أو الشُّروطُ أو الواجباتُ فهذهِ لا تكونُ صلاةً نافعةً عندَ اللهِ سبحانه وتعالى.


الشرح