×
المِنحَةُ الرَّبانيَّةُ في شَرحِ الأربَعينَ النَّوَويَّةِ

 ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة: 78- 79]، فلَعَنهمُ اللهُ بسَببِ ذلك، يَعني طَرَدَهم وأبعَدَهم من رَحمَتِه. وأَثْنَى على الَّذينَ يَأمُرون بالمَعروفِ ويَنهَوْن عنِ المُنكرِ منهم، فقالَ جل وعلا: ﴿لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ *يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [آل عمران: 113- 114]، ليس كلُّ أهْلِ الكِتابِ ترَكوا الأمْرَ بالمَعروفِ والنَّهيَ عنِ المُنكرِ، ولكنْ مِنهم مَن قامَ بذلكَ، واللهُ لا يَظلِمُ أحَدًا.

وأوجَبَ اللهُ على هذه الأمَّةِ أن تَأمُرَ بالمَعروفِ وتَنهَى عنِ المُنكرِ؛ لأنَّ ذلك إصلاحٌ للمُجتمعِ، فالمَعاصي والمُخالفاتِ سَببٌ للهَلاكِ والدَّمارِ، وعلاجُ ذلكَ بالأمْرِ بالمَعروفِ والنَّهي عنِ المُنكرِ، وهو نَصيحةٌ للمَأمورِ والمَنهيِّ، وليس من بابِ التَّدخُّلِ في أُمورِ النَّاسِ، كما يقولُه أهْلُ النِّفاقِ، يقولون: الأمْرُ بالمَعروفِ والنَّهيُ عنِ المُنكرِ وصايَةٌ على الآخَرينَ، وتَدخُّلٌ في أمورِ النَّاسِ. فيُقالُ لهم: ليس هذا من بابِ الوِصايَةِ أو التَّدخُّلِ، وإنَّما هوَ من بابِ الإصْلاحِ والنَّصيحةِ، فكَوْنُك تأمُرُ أخاك بالمَعروفِ وتَنهَاهُ عنِ المُنكرِ هذا من مَحبَّتِه، والإشفاقِ عليه، أمَّا إذا تَركْتَه فقد غَشَشْتَه ولم تَنصَحْ له، وَضَيَّعْتَ حقَّه عليك، فهذا منَ التَّعاوُنِ على البِرِّ والتَّقوى ومِن التَّناصُحِ، ومن مَحبَّةِ الخَيرِ للنَّاسِ، وليس هو من بابِ التَّدخُّلِ في أُمورِ الآخرينَ، أو الوِصايَةِ على


الشرح