الآخرينَ، واللهُ وصَفَ المُسلمينَ بالتَّواصي
بالحقِّ، فهو وَصيَّةٌ وليس وصايَةً، قال تعالى: ﴿وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: 3]، فهذا جانبٌ عظيمٌ
لابدَّ منه.
وقد ضَربَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مثلاً للَّذي يأمُرُ بالمَعروفِ ويَنهى عنِ المُنكرِ، والَّذي يَقعُ في المَعاصي، فقالَ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا»([1])، استَهَمُوا: أي اقْتَرَعوا على سَفينَةٍ، أيُّهم يكونُ في الدُّورِ العُلويِّ، وأيُّهم يكونُ في الدُّورِ السُّفْلي؛ لأنَّ الدُّورَ العُلويَّ أرْغَبُ، فخَرجَتِ القُرعَةُ وانتَهَى وصارَ بَعضُهم في أعلاها، وبعضُهم في أسْفَلِها، فالَّذينَ في أعْلاهَا مِثْلُ الأخيارِ مِن الأمَّةِ وأهْلِ الرَّأْي وأهْلِ الدِّينِ، والذين في أسْفَلِها مِثْلُ أهْلِ السَّفاهةِ وأهْلِ المُخالفاتِ، فالَّذين يأتُون المُنكراتِ مِثْلُ الذين في أسْفَلِ السَّفينةِ، والَّذين يَنهُون عنها مِثْلُ الَّذين في أعْلَى السَّفينَةِ، وكانَ الَّذين في الأسْفلِ يَصعَدُون إلى الدُّورِ العُلويِّ ليأخُذوا الماءِ، ثمَّ إنَّهم قالوا: نُؤذِي مَن فَوقَنا فلَعلَّنا نَخرِقُ في جانِبِنَا خَرْقًا في السَّفينةِ نَأخُذُ الماءَ من جانِبِنَا مُباشرةً ولا نَصعَدُ، ولا نُؤذِي مَن فَوقَنا. ومعلومٌ أنَّ السَّفينةَ إذا خُرقَتْ دَخَلَها الماءُ وغَرقَتْ وهَلكَ مَن فيها.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2493).